للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المجرد، فقيل: جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح، وثوب جديد: أصله المقطوع، ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه، قال تعالى:

بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق/ ١٥] ، إشارة إلى النشأة الثانية، وذلك قولهم:

أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق/ ٣] ، وقوبل الجديد بالخلق لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب، ومنه قيل لليل والنهار: الجَدِيدَان والأَجَدَّان «١» ، قال تعالى:

وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ

[فاطر/ ٢٧] ، جمع جُدَّة، أي: طريقة ظاهرة، من قولهم:

طريق مَجْدُود، أي: مسلوك مقطوع «٢» ، ومنه:

جَادَّة الطريق، والجَدُود والجِدَّاء من الضأن:

التي انقطع لبنها. وجُدَّ ثدي أمه على طريق الشتم «٣» ، وسمي الفيض الإلهي جَدّاً، قال تعالى: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا [الجن/ ٣] ، أي: فيضه، وقيل: عظمته، وهو يرجع إلى الأوّل، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه، وسمي ما جعل الله للإنسان من الحظوظ الدنيوية جَدّاً، وهو البخت، فقيل: جُدِدْتُ وحُظِظْتُ وقوله عليه السلام: «لا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَدُّ» «٤» ، أي: لا يتوصل إلى ثواب الله تعالى في الآخرة بالجدّ، وإنّما ذلك بالجدّ في الطاعة، وهذا هو الذي أنبأ عنه قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء/ ١٨] ، وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء/ ١٩] ، وإلى ذلك أشار بقوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء/ ٨٨] .

والجَدُّ: أبو الأب وأبو الأم. وقيل: معنى «لا ينفع ذا الجدّ» : لا ينفع أحدا نسبه وأبوّته، فكما نفى نفع البنين في قوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ [الشعراء/ ٨٨] ، كذلك نفى نفع الأبوّة في هذا الحديث.

[جدث]

قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً

[المعارج/ ٤٣] ، جمع الجَدَث،


(١) انظر: جنى الجنتين ص ٣٣، والبصائر ١/ ٣٧٠، والمجمل ١/ ١٦٩، ويقال: لا أفعله ما اختلف الجديدان.
(٢) قال ابن مالك في مثلّثه:
قطع وحظّ وجلال جدّ ... وضدّ هزل واجتهاد جدّ
والبئر والشخص العظيم جدّ ... وسنوات القحط والإجداب
(٣) يقال ذلك إذا دعي عليه بالقطيعة.
(٤) الحديث عن المغيرة بن شعبة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» وهو صحيح أخرجه البخاري في باب الذكر بعد الصلاة (انظر: الفتح ٢/ ٣٢٥) ، والاعتصام ١٣/ ٢٦٤، - ومسلم برقم (٥٩٣) ، وانظر: شرح السنة ٣/ ٢٢٥. وللسيوطي رسالة في معناه، انظرها في الحاوي للفتاوي ١/ ٣٨٣.

<<  <   >  >>