للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المائدة/ ١١٢] ، فقيل: إنهم قالوا ذلك قبل أن قويت معرفتهم بالله. وقيل: إنهم لم يقصدوا قصد القدرة «١» ، وإنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك؟ وقيل: يَسْتَطِيعُ ويُطيعُ بمعنى واحدٍ «٢» ، ومعناه: هل يجيب؟ كقوله:

ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ

[غافر/ ١٨] ، أي: يجاب، وقرئ: هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ «٣» أي: سؤالَ رَبِّكَ، كقولك:

هل يَسْتَطِيعُ الأَمِيرُ أن يفعل كذا، وقوله:

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ

[المائدة/ ٣٠] ، نحو:

أسمحت له قرينته، وانقادت له، وسوّلت، وطَوَّعَتْ أبلغُ من أَطَاعَتْ، وطَوَّعَتْ له نفسُهُ بإزاء قولهم: تأبَّتْ عن كذا نفسُهُ، وتَطوَّعَ كذا: تحمّله طَوْعاً. قال تعالى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ

[البقرة/ ١٥٨] ، الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

[التوبة/ ٧٩] ، وقيل:

طَاعَتْ وتَطَوَّعَتْ بمعنًى، ويقال: اسْتَطَاعَ واسْطَاعَ بمعنى، قال تعالى: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ، وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً

[الكهف/ ٩٧] .

[طوف]

الطَّوْفُ: المشيُ حولَ الشيءِ، ومنه: الطَّائِفُ لمن يدور حول البيوت حافظا. يقال: طَافَ به يَطُوفُ. قال تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ [الواقعة/ ١٧] ، قال: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما

[البقرة/ ١٥٨] ، ومنه استعير الطَّائِفُ من الجنّ، والخيال، والحادثة وغيرها.

قال: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ

[الأعراف/ ٢٠١] ، وهو الذي يدور على الإنسان من الشّيطان يريد اقتناصه، وقد قرئ:

طيف «٤» وهو خَيالُ الشيء وصورته المترائي له في المنام أو اليقظة. ومنه قيل للخيال: طَيْفٌ.

قال تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ

[القلم/ ١٩] ، تعريضا بما نالهم من النّائبة، وقوله: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ

[البقرة/ ١٢٥] ، أي:

لقصّاده الذين يَطُوفُونَ به، والطَّوَّافُونَ في قوله:

طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ

[النور/ ٥٨] عبارة عن الخدم، وعلى هذا الوجه قال عليه السلام في الهرّة: (إنّها من الطَّوَّافِينَ عليكم والطَّوَّافَاتِ) «٥» . وَالطَّائِفَةُ من الناس: جماعة


(١) قال عائشة: كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا: هل يستطيع ربك، إنما قالوا: هل تستطيع أنت؟ ربك هل تستطيع أن تدعوه؟ انظر: الدر المنثور ٣/ ٢٣١.
(٢) وهذا قول الشعبي. انظر: الدر المنثور ٣/ ٢٣١.
(٣) وبها قرأ الكسائي. انظر: الإتحاف ص ٢٠٤.
(٤) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي ويعقوب. انظر: الإتحاف ص ٢٣٤.
(٥) الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة- أنّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرّة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟
قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: إنّها ليس بنجس، إنها من الطوّافين عليكم أو الطّوافات.
أخرجه مالك ١/ ٢٣، وأحمد ٥/ ٢٩٦، وأبو داود رقم ٧٥، والنّسائي ١/ ٥٥ وانظر شرح السنة ٢/ ٦٩.

<<  <   >  >>