للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الفرقان/ ٢٩] ، وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء/ ٢٧] . وإذا استعمل في الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدّم ذكره آنفا، ويجوز أن يكون قد تغيّر نحو: كَانَ فلان كذا ثم صار كذا. ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدّم تقدما كثيرا، نحو أن تقول: كان في أوّل ما أوجد الله تعالى، وبين أن يكون في زمان قد تقدّم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان، نحو أن تقول: كان آدم كذا، وبين أن يقال: كان زيد هاهنا، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت، ولهذا صحّ أن يقال: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا

[مريم/ ٢٩] فأشار بكان أنّ عيسى وحالته التي شاهده عليها قبيل. وليس قول من قال: هذا إشارة إلى الحال بشيء، لأنّ ذلك إشارة إلى ما تقدّم، لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا.

وقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران/ ١١٠] فقد قيل: معنى كُنْتُمْ معنى الحال «١» ، وليس ذلك بشيء بل إنما ذلك إشارة إلى أنّكم كنتم كذلك في تقدير الله تعالى وحكمه، وقوله: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ [البقرة/ ٢٨٠] فقد قيل:

معناه: حصل ووقع، والْكَوْنُ يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هو دونه، وكثير من المتكلّمين يستعملونه في معنى الإبداع.

وكَيْنُونَةٌ عند بعض النّحويين فعلولة، وأصله:

كَوْنُونَةٌ، وكرهوا الضّمة والواو فقلبوا، وعند سيبويه «٢» كَيْوِنُونَةٌ على وزن فيعلولة، ثم أدغم فصار كَيِّنُونَةً، ثم حذف فصار كَيْنُونَةً، كقولهم في ميّت: ميت. وأصل ميّت: ميوت، ولم يقولوا كيّنونة على الأصل، كما قالوا: ميّت، لثقل لفظها. و «الْمَكَانُ» قيل أصله من: كَانَ يَكُونُ، فلمّا كثر في كلامهم توهّمت الميم أصليّة فقيل:

تمكّن كما قيل في المسكين: تمسكن، واسْتَكانَ فلان: تضرّع وكأنه سكن وترك الدّعة لضراعته.

قال تعالى: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ [المؤمنون/ ٧٦] .

[كوى]

كَوَيْتُ الدّابة بالنار كَيّاً. قال: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ

[التوبة/ ٣٥] . و:

كيْ علّة لفعل الشيء، و «كَيْلَا» لانتفائه، نحو:


(١) قال القرطبي: وقيل: «كان» زائدة، والمعنى: أنتم خير أمة. وأنشد سيبويه:
وجيران لنا كانوا كرام
ومثله قوله تعالى: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، وقوله: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ.
انظر: تفسير القرطبي ٤/ ١٧٠- ١٧١.
(٢) الكتاب ٤/ ٣٦٥.

<<  <   >  >>