للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاستعير لكلّ مضيّع لماله، فتبذير البذر: تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. قال الله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ

[الإسراء/ ٢٧] ، وقال تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً

[الإسراء/ ٢٦] .

برَّ

البَرُّ خلاف البحر، وتصوّر منه التوسع فاشتق منه البِرُّ، أي: التوسع في فعل الخير، وينسب ذلك إلى الله تعالى تارة نحو: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ

[الطور/ ٢٨] ، وإلى العبد تارة، فيقال: بَرَّ العبد ربه، أي: توسّع في طاعته، فمن الله تعالى الثواب، ومن العبد الطاعة. وذلك ضربان:

ضرب في الاعتقاد.

وضرب في الأعمال، وقد اشتمل عليه قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [البقرة/ ١٧٧] وعلى هذا ما روي «أنه سئل عليه الصلاة والسلام عن البرّ، فتلا هذه الآية» «١» .

فإنّ الآية متضمنة للاعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل. وبِرُّ الوالدين: التوسع في الإحسان إليهما، وضده العقوق، قال تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ [الممتحنة/ ٨] ، ويستعمل البِرُّ في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه، يقال: بَرَّ في قوله، وبرّ في يمينه، وقول الشاعر:

٤٣-

أكون مكان البرّ منه

«٢» قيل: أراد به الفؤاد، وليس كذلك، بل أراد ما تقدّم، أي: يحبّني محبة البر.

ويقال: بَرَّ أباه فهو بَارٌّ وبَرٌّ مثل: صائف وصيف، وطائف وطيف، وعلى ذلك قوله تعالى: وَبَرًّا بِوالِدَتِي [مريم/ ٣٢] . وبَرَّ في يمنيه فهو بَارٌّ، وأَبْرَرْتُهُ، وبَرَّتْ يميني، وحجّ مَبْرُور أي: مقبول، وجمع البارّ: أَبْرَار وبَرَرَة، قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار/ ١٣] ، وقال: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين/ ١٨] ، وقال في صفة الملائكة: كِرامٍ بَرَرَةٍ

[عبس/ ١٦] .


(١) الحديث أخرجه ابن أبي حاتم وصححه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله عن الإيمان فتلا لَيْسَ الْبِرَّ ... حتى فرغ منها ثم سأله أيضا فتلاها، ثم سأله فتلاها، وقال: «وإذا عملت حسنة أحبّها قلبك، وإذا عملت سيئة أبغضها قلبك» انظر: الدر المنثور ١/ ٤١٠، والمستدرك ٢/ ٢٧٢.
(٢) الشطر لخداش بن زهير وهو بتمامه:
أكون مكان البرّ منه ودونه ... وأجعل مالي دونه وأوامره
وهو في تاج العروس (برّ) ، والمجمل ١/ ١١٢، واللسان (برر) ، وليس في شعره، وذكر جامع ديوانه بيتا له من نفس القافية والبحر، وهو في شمس العلوم ١/ ١٢٣.

<<  <   >  >>