للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإقرارهم بذلك «١» ، وهذه الشّهادة تختصّ بأهل العلم، فأمّا الجهّال فمبعدون منها، ولذلك قال في الكفّار: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [الكهف/ ٥١] ، وعلى هذا نبّه بقوله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر/ ٢٨] ، وهؤلاء هم المعنيّون بقوله: وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء/ ٦٩] ، وأمّا الشَّهِيدُ فقد يقال لِلشَّاهِدِ، والْمُشَاهِدِ للشيء، وقوله: مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ

[ق/ ٢١] ، أي: من شهد له وعليه، وكذا قوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء/ ٤١] ، وقوله: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ

[ق/ ٣٧] ، أي: يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على ضدّ من قيل فيهم: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت/ ٤٤] ، وقوله: أَقِمِ الصَّلاةَ «٢» ، إلى قوله: مَشْهُوداً

«٣» أي: يشهد صاحبه الشّفاء والرّحمة، والتّوفيق والسّكينات والأرواح المذكورة في قوله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء/ ٨٢] ، وقوله: وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ [البقرة/ ٢٣] ، فقد فسّر بكلّ ما يقتضيه معنى الشهادة، قال ابن عباس: معناه أعوانكم «٤» ، وقال مجاهد: الذين يشهدون لكم، وقال بعضهم: الذين يعتدّ بحضورهم ولم يكونوا كمن قيل فيهم شعر:

٢٧٦-

مخلّفون ويقضي الله أمرهمو ... وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا

«٥» وقد حمل على هذه الوجوه قوله: وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [القصص/ ٧٥] ، وقوله:

وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات/ ٧] ، أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت/ ٥٣] ، وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً [النساء/ ٧٩] ، فإشارة إلى قوله: لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ


(١) قال ابن القيم: وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه:
أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر.
الثاني: اقتران شهادتهم بشهادته.
والثالث: اقترانها بشهادة الملائكة.
الرابع: أنّ في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، فإنّ الله لا يَسْتَشْهِدُ من خلقه إلا العدول.
راجع: مفتاح دار السعادة ١/ ٤٨.
(٢) الآية: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً سورة الإسراء:
آية ٧٨.
(٣) الآية: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً سورة الإسراء:
آية ٧٨.
(٤) انظر: تفسير الماوردي ١/ ٧٧، والبصائر ٣/ ٣٥٣.
(٥) البيت للأخطل في ديوانه ص ١٠٩.
وهو في البصائر ٣/ ٣٥٣ دون نسبة، وعجزه في مقدمة جامع التفاسير للمؤلف ص ١٥٥، ولم يعرفه المحقق.

<<  <   >  >>