للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المزمل/ ٢٠] ، إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حقّ العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ

[عبس/ ١٩] ، فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوّة، فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصّورة، وقوله: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً

[الأحزاب/ ٣٨] ، فَقَدَرٌ إشارة إلى ما سبق به القضاء، والكتابة في اللّوح المحفوظ والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: «فرغ ربّكم من الخلق والخلق والأجل والرّزق» «١» ، والْمَقْدُورُ إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا ممّا قدّر، وهو المشار إليه بقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/ ٢٩] ، وعلى ذلك قوله: وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر/ ٢١] ، قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ

[البقرة/ ٢٣٦] ، أي:

ما يليق بحاله مقدّرا عليه، وقوله: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى

[الأعلى/ ٣] ، أي: أعطى كلّ شيء ما فيه مصلحته، وهداه لما فيه خلاصه، إمّا بالتّسخير، وإمّا بالتّعليم كما قال: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه/ ٥٠] ، والتَّقْدِيرُ من الإنسان على وجهين: أحدهما: التّفكّر في الأمر بحسب نظر العقل، وبناء الأمر عليه، وذلك محمود، والثاني: أن يكون بحسب التّمنّي والشّهوة، وذلك مذموم كقوله: فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ

[المدثر/ ١٨- ١٩] ، وتستعار الْقُدْرَةُ والْمَقْدُورُ للحال، والسّعة في المال، والقَدَرُ: وقت الشيء المقدّر له، والمكان المقدّر له، قال: إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ [المرسلات/ ٢٢] ، وقال: فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [الرعد/ ١٧] ، أي: بقدر المكان المقدّر لأن يسعها، وقرئ:

(بِقَدْرِهَا) «٢» أي: تقديرها. وقوله: وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ

[القلم/ ٢٥] ، قاصدين، أي: معيّنين لوقت قَدَّرُوهُ، وكذلك قوله:

فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ

[القمر/ ١٢] ، وقَدَرْتُ عليه الشيء: ضيّقته، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب. قال تعالى:

وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ

[الطلاق/ ٧] ، أي:

ضيّق عليه، وقال: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ

[الروم/ ٣٧] ، وقال: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ

[الأنبياء/ ٨٧] ، أي: لن نضيّق عليه، وقرئ: (لن نُقَدِّرَ عليه) «٣» ، ومن هذا


(١) الحديث تقدّم في مادة (خزن) ، وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء ص ١٤٩ من كلام ابن مسعود.
(٢) وهي قراءة شاذة، قرأ بها الحسن والأشهب العقيلي. انظر: تفسير القرطبي ٩/ ٣٠٥.
(٣) وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس والزهري وعمر بن عبد العزيز. انظر: تفسير القرطبي ١١/ ٣٣٢.

<<  <   >  >>