للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال بعده: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل/ ٢٣] . والتَّكَبُّرُ يقال على وجهين:

أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف الله تعالى بالتّكبّر. قال: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ

[الحشر/ ٢٣] .

والثاني: أن يكون متكلّفا لذلك متشبّعا، وذلك في وصف عامّة الناس نحو قوله: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

[الزمر/ ٧٢] ، وقوله:

كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ ٣٥] ومن وصف بالتّكبّر على الوجه الأوّل فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم، ويدلّ على أنه قد يصحّ أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذموما، وقوله:

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف/ ١٤٦] فجعل متكبّرين بغير الحقّ، وقال: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ ٣٥] بإضافة القلب إلى المتكبّر.

ومن قرأ: بالتّنوين «١» جعل المتكبّر صفة للقلب، والْكِبْريَاءُ: الترفع عن الانقياد، وذلك لا يستحقه غير الله، فقال: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

[الجاثية/ ٣٧] ولما قلنا روي عنه صلّى الله عليه وسلم يقول عن الله تعالى: «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحد منهما قصمته» «٢» ، وقال تعالى: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ [يونس/ ٨٧] ، وأكْبَرْتُ الشيء:

رأيته كَبِيراً. قال تعالى: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ

[يوسف/ ٣١] . والتَّكْبِيرُ يقال لذلك، ولتعظيم الله تعالى بقولهم: الله أَكْبَرُ، ولعبادته واستشعار تعظيمه، وعلى ذلك: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ

[البقرة/ ١٨٥] ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً

[الإسراء/ ١١١] ، وقوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [غافر/ ٥٧] فهي إشارة إلى ما خصّهما الله تعالى به من عجائب صنعه، وحكمته التي لا يعلمها إلّا قليل ممّن وصفهم بقوله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران/ ١٩١] فأمّا عظم جثّتهما فأكثرهم يعلمونه. وقوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى

[الدخان/ ١٦] فتنبيه أنّ كلّ ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدّنيا وفي البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم.

والْكُبَارُ أبلغ من الْكَبِيرُ، والْكُبَّارُ أبلغ من ذلك.

قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً

[نوح/ ٢٢] .


(١) قرأ: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ بالتنوين أبو عمرو وابن عامر بخلفه. انظر: الإتحاف ص ٣٧٨.
(٢) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يقول الله عزّ وجلّ: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار» أخرجه مسلم في البر والصلة برقم (٢٦٢٠) ، والبيهقي في الأسماء والصفات ص ١٧٣.

<<  <   >  >>