للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التثبت «١» والإقامة على الشيء.

يقال: تأيّ، أي: ارفق «٢» ، أو من قولهم:

أوى إليه. وقيل للبناء العالي آية، نحو: أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ [الشعراء/ ١٢٨] . ولكلّ جملة من القرآن دالة على حكم آية، سورة كانت أو فصولا أو فصلا من سورة، وقد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي: آية.

وعلى هذا اعتبار آيات السور التي تعدّ بها السورة.

وقوله تعالى: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية/ ٣] ، فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم، وكذلك قوله:

بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت/ ٤٩] ، وكذا قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يوسف/ ١٠٥] ، وذكر في مواضع آية وفي مواضع آيات، وذلك لمعنى مخصوص «٣» ليس هذا الكتاب موضع ذكره.

وإنما قال: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون/ ٥٠] ولم يقل: آيتين «٤» ، لأنّ كل واحد صار آية بالآخر. وقوله عزّ وجل: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء/ ٥٩] فالآيات هاهنا قيل: إشارة إلى الجراد والقمل والضفادع، ونحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة، فنبّه أنّ ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفا، وذلك أخسّ المنازل للمأمورين، فإنّ الإنسان يتحرّى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء:

- إمّا أن يتحراه لرغبة أو رهبة، وهو أدنى منزلة.

- وإمّا أن يتحراه لطلب محمدة.

- وإمّا أن يتحراه للفضيلة، وهو أن يكون ذلك الشيء فاضلا في نفسه، وذلك أشرف المنازل.

فلمّا كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران/ ١١٠] رفعهم عن هذه المنزلة، ونبّه أنه لا يعمّهم بالعذاب وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون:

فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال/ ٣٢] .

وقيل: الآيات إشارة إلى الأدلة، ونبّه أنه يقتصر معهم على الأدلة، ويصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عزّ وجل:


(١) قال ابن منظور: يقال: قد تأييت أي: تلبّثت وتحبّست.
(٢) والتأيّي: التنظر والتؤدة، يقال: تأيّا الرجل: إذا تأنّى في الأمر.
(٣) وقد بسط الكلام على ذلك الإسكافي في درّة التنزيل وغرّة التأويل، انظر: ص ٤٣٥- ٤٣٦.
(٤) قال ابن عرفة: ولم يقل آيتين لأن قصتهما واحدة.

<<  <   >  >>