للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغضوا أبصارهم، واحتجوا بقوله عز وجل: {وَعَدَ الله الذينَ آمنوا وعملوا (١١٠} الصالحاتِ منهم مَغْفِرةً وأَجْراً عظيماً) (١٠) ، قالوا: فمن ليست في هذا الموضع مُبعضة إنما المعنى: وعدهم الله كلهم مغفرة وأجراً عظيماً، فدخلت (من) للتوكيد. وكذلك قوله: {ولتكنْ منكم أمةٌ يدعونَ إلى الخير} (١١) ، فلم يؤمر بهذا بعضهم دون بعض، إنما المعنى: ولتكونوا كلكم أمة يدعون إلى الخير. ومن ذلك قول الشاعر (١٢) :

(أخو رغائبَ يُعطيها ويسألُها ... يأبى الظلامَة منه النَوْفَلُ الزُّفَرُ)

النوفل: الكثير الإعطاء للنوافل. والزفر: الذي يحمل الأثقال والأمور التي يعجز عنها غيره. و (من) مؤكدة للكلام. وقال أصحاب المعاني: المعنى (١٣) يأبى الظلامة، لأنه نوفل زفر. قال ذو الرمة (١٤) :

(إذا ما امرؤ حاولنَ أنْ يقتتلْنَهُ ... بلا إحْنَةٍ بينَ النفوسِ ولا ذَحْلِ)

(تبسَّمنَ عن نَوْرِ الأقاحيِّ في الثرى ... وفَتَّرْنَ من أبصارِ مضروجةٍ نُجْلِ)

أراد: وفترن أبصاراً مضروجةً، فأكَّد الكلام بمن.

قال أبو بكر: قال الفراء (١٥) : معنى قوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم} (١٦) : يغفر لكم من أذنابكم وعن أذنابكم (١٧) ، أي: يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم؛ كما تقول / في الكلام: قد اشتكيت من دواء شربته؛ (٨ / ب / ١١١) فالمعنى: قد اشتكيت من أجل الدواء الذي شربته.


(١٠) الفتح ٢٩.
(١١) آل عمران ١٠٤.
(١٢) أعشى باهلة، الصبح المنير ٢٦٧. والزفر: السيد. وينظر الأضداد: ٢٥٢.
(١٣) ساقطة من ك.
(١٤) ديوانه ١٤٤ - ١٤٥. وينظر الأضداد ٢٥٣. والاحنة العداوة. والذحل الطلب بالدم، وهو هنا الأمر الذي أساءت به والنور الزهر. ومضروجة: واسعة شق العين. ونجل: واسعات العيون. وذو الرمة هو غيلان ابن عقبة صاحب مية، ت ١١٧ هـ. (الشعر والشعراء ٥٢٤، اللآلي ٨١، الخزانة ١ / ٥٠) .
(١٥) معاني القرآن ٣ / ١٨٧.
(١٦) نوح ٤.
(١٧) كذا في المعاني، ولا يعرف جمع ذنب بمعنى اثم على أذناب.

<<  <  ج: ص:  >  >>