للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكن لك عبداً، وليكن أطيب طيبك الماء، واعلمي أن زوجك فارس من فرسان مضر، وأنه يوشك أن يقتل أو يموت، فإذا كان ذلك، فلا تخمشي وجهك، ولا تحلقي شعرك. فحملها إلى أهله.

فلما أصيب، احتملت إلى أهلها وقالت: يا بني عبد الله، أوصيكم بالغرائب شراً، فوالله ما رأيت مثل لقيط، لم يُخمش عليه وجه، ولم يُحلق عليه رأس (١٩٠) ، ولولا أني غريبة لفعلت. فخمشت، وحلقت.

وتزوجها رجل من قومها، فجعل يسمعها تذكر لقيطاً، وتكثر، فقال لها: أيّ شيء رأيته من لقيط أحسن في عينك؟ قالت: خرج في يوم دَجْنٍ، وقد تطيَّب، وشرب، وصرع البقر، فأتاني وبه نَضْحُ الدماء والطيب، فضممتُهُ ضَمَّةً، وشممتُهُ شَمَّةً، فودِدْتُ أني كنت مِتُّ ثَمَّةَ. فما رأيت منظراً كان أحسن من لقيط يومئذ. فسكت؛ حتى إذا كان يوم دجن، تطيب، وشرب، وركب، وصرع البقر، وجاءها وبه نضح الدماء، والطيب، وريح الخمر، فضمته إليها. فقال لها: أنا أحسن أم لقيط؟ فقالت: ماءٌ ولا كَصَدَّاء. فأرسلتها مَثَلاً.

قال: و " صداء " بئر ليس في الأرض ماء أطيب من مائها. وهي مشهورة، وقد ذكرتها الشعراء في أشعارها، قال ضرار بن عتبة السعدي (١٩١) :

(فإنِّي وتهيامي بزينبَ كالذي ... يخالسُ من أحواض صدّاء مَشْرَبا)

(يرى دونَ بَرْدِ الماءِ هولاً وذادةً ... إذا جاءَ صاحوا قبل أنْ يتحبَّبَا) ٢١٦ / ب /

/ قوله: قبل أن يتحببا، معناه: قبل ان يمتلىء، كما قال الآخر: (٢٩١)

(حتى إذا ما غَيْرُها تَحَبَّبَا ... ) (١٩٢)

قال أبو بكر: " الماء " يرتفع بإضمار هذا، ويجوز: ماءً ولا كصّداء، على معنى: أَرَى ماءً. قال جميل (١٩٣) :


(١٩٠) ك: شعر.
(١٩١) أمثال العرب ٢١.
(١٩٢) لم أقف عليه.
(١٩٣) أخل به شعره.

<<  <  ج: ص:  >  >>