للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيُغَيِّب الله عز وجل عنهم غير الذي يظهر لهم. لأنه تعالى يظهر النعم، ويرزقهم الأموال والأولاد، ويحسن لهم الحال؛ ويُغَيِّب عنهم ما قد أوجبه عليهم، وحكم به من عذاب الآخرة. فجازاهم بمثل فعلهم، وغيب عنهم خلاف الذي أظهر لهم، كما أضمروا هم وغيبوا خلاف الذي أظهروا وأعلنوا.

وقد يقال: إن معنى قوله: " وهو خادعهم ": وهو مجازيهم على المخادعة. فسمي الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء، كما قال عز وجل: {بل عَجِبْتُ ويَسْخَرونَ} (٢٣٨) . فأخبر عن نفسه بالعجب، وهو يريد: بل جازيتهم على عجبهم من الحق. فسمّى فعله باسم فعلهم. وقد أخبر عز وجل عنهم في غير موضع بالعجب من الحق فقال: {أكانَ للناس عَجَباً أنْ أوحينا إلى رجل منهم أنْ أَنْذِر الناسَ} (٢٣٩) . وقال تعالى: {بل عجبوا أنْ جاءهم منذرٌ منهم} (٢٤٠) . وحكى عنهم أنهم قالوا: {إنَّ هذا لشيءٌ عجاب} ، فسمي فعله عجباً، وليس بعجب في الحقيقة، إذ كان المتعجب يدهش ويتحير، والله عز وجل قد جل عن ذلك باسم عجبهم.

/ وقد يقال: معنى قوله عز وجل: " وهو خادعهم "، وهو معاقبهم. ومعنى ٢١٨ / ب قوله: " بل عجبت ". بل عظَّمت ثوابهم وجزاءهم. فسمى المعاقبة خداعاً، لأن الخادع غالب، والغالب قادر على المعاقبة. وسمى تعظيم الثواب عجباً، لأن (٢٩٨) المتعجب من الناس إنما يتعجب من الشيء إذا كان في النهاية من المعنى الذي بلغه، ووصل إليه. وكذلك هؤلاء الذين عجب الله عز وجل منهم، لما بلغوا غاية من الفعل عظيمة، عظم بها جزاؤهم، سمّى فعله عجباً، على جهة التشبيه والمجاز.


(٢٣٨) الصافات ١٢. و (عجبْتُ) بضمّ التاء قراءة حمزة والكسائي وخلف. السبعة لابن مجاهد ٥٤٧، والتفسير ١٨٦، والنشر ٢ / ٣٤١.
(٢٣٩) يونس ٢.
(٢٤٠) ق ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>