للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو صح شيء من هذه الآثار، فلا دليل فيها لأنها مما يقال فيه بالاستقراء والتتبع، وكذا هو الحال في أكثر هذه التقديرات خلافًا لما ذكره صاحب «البدائع» -رحمه الله-.

٣ - واحتجوا بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة بنت حُبَيش وأم حبيبة: «دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» (١)، وقالوا: إن أدنى ما يقع عليه اسم أيام ثلاثة.

ولا حجة لهم في هذا الخبر لأنه واقعة عين وقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك من كانت لها أيام معهودة ثم استُحيضت، وقد جاءت روايات كثيرة للحديث بغير هذا اللفظ، ومنها قوله لأم حبيبة -رضي الله عنها-: «امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» (٢). وليس في هذا اللفظ، والذي تكرر في عدة أحاديث (٣) ذكر الأيام.

وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أقبَلَت الحَيضَة فدَعِي الصَّلاة فإذا ذَهَبَ قَدرُها - أو فإذا أدبَرَت (٤) - فاغسِلِي عَنك الدَّم وصَلِّي» (٥) وهذا في أي حيض بأي مقدار.

وكذلك فإن الخلاف في أقل الجمع معروف، والحنفية - رحمهم الله - يجعلونه اثنين كما في قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: ١١]، قالوا: الاثنان إخوة.

والحاصل: أن خطابه لامرأة معينة ذات أيام معهودة لا ينسحب على كل النساء. وكذلك، فإن استعمال لفظ الأيام قد يكون خرج مخرج الغالب لأن الغالب من عادة النساء أنهن يحضن عدة أيام، لا أن المرأة لا يمكن أن تحيض دون ذلك.


(١) «صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الطهارة، باب شهود الحائض العيدين (١/ ١٢٤).
(٢) «صَحِيح مُسْلِم» كتاب الحيض، باب المستحاضة وغسلها وصلاها (١/ ٢٦٤).
(٣) انظر: «المُحَلَّى» (١/ ٤٠٩ - ٤١١).
(٤) «صَحِيح البُخَارِيّ» كتاب الطهارة، باب إذا رأت المستحاضة الطهر (١/ ١٢٥).
(٥) «سُنَن البَيْهَقِيّ الكُبْرَى» كتاب الطهارة، باب أقل الحيض (١/ ٣٢٠).

<<  <   >  >>