للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيطان فقتلت الرجل طمعًا في ماله، ثم سمعت حس العسس، فخرجت من الخربة واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصَفَ فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس فأخذوه وأتَوك به، فلما أمرتَ بقتله علمتُ أني سأبوء بدمه أيضا، فاعترفت بالحق». فقال للحسين -رضي الله عنه-: «ما الحكم في هذا؟» قال: «يا أمير المؤمنين إن كان قد قتل نفسًا فقد أحيا نفسًا، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] فخلّى عليّ عنهما، وأخرج دِيَة القتيل من بيت المال» (١)

والشاهد أن هذه القصة فيها طعن فيما يعده الفقهاء القائلون بالحكم بالقرائن من القرائن القطعية، فإن الرجل قد قبض عليه، وفي يده آلة الجريمة، وهو خارج من الخربة التي فيها القتيل. ولكن في القصة إشكالا، قال ابن القَيِّم «وهذا إن كان صلحا وقع برضا الأولياء فلا إشكال، وإن كان بغير رضاهم فالمعروف من أقوال الفقهاء أن القِصاص لا يسقط بذلك؛ لأن الجاني قد اعترف بما يوجبه ولم يوجد ما يسقطه فيتعين استيفاؤه، وبعد فلحكم أمير المؤمنين وجه قوي» (١).

والرد على هذه القصة -إن صحت- أنها من النادر الذي لا حكم له ولو تتبع لتعطلت مصالح العباد، ثم إن القصة لا تبين خطأ القرينة فحسب، بل خطأ الإقرار أيضًا؛ فهل نطعن في حجية الإقرار؟ وقد يكذب الشاهدان، فهل يطعن ذلك على العمل بالشاهدين؟ ولكن يستفاد من القصة ضرورة التحري والتدقيق لأن إشاطة الدماء من غير ذلك مما لا يليق بالمؤمنين.

٧ - وعن علقمة بن وائل عن أبيه: «أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد بمكروه من نفسها، فاستغاثت برجل مرّ عليها وفر صاحبها، ثم


(١) «الطُّرُق الحُكمِيَّة» لابن القَيِّم (١/ ٨٣).

<<  <   >  >>