للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب على الأثرين أن الناس قد علموا أن الحامل بلا زوج تحد وأن عمر إنما درأ عنها الحد للشبهة، ولكن هذه شبهة يمكن لكل أحد أن يدعيها!

وقد يقال بحصر استعمال العلامات في حدي الخمر والزنا، ولكن لم؟ إن هذا قد ثبت من عمل الصحابة في هذين الحدين، ولو كانت هناك قرائن قاطعة في غيرهما لعملوا بها، سيما وأن حد الزنا يتشدد في إثباته بما لا يفعل في حد غيره. إننا إذا وسعنا دائرة استعمال القرائن في كل الحدود، لكنا موافقين لطريقة الصحابة ومنهجهم وإن كان عين الحكم بالقرائن إنما ثبت عنهم في هذين الحدين.

بقِي أن الحدود مما يدرأ بالشبهات وقول الجمهور من المذاهب الأربعة بعدم اعتبار القرائن في الحدود يحدث شبهة قوية تدفع الحد ولكن لا تدفع التُّهْمَة إن ثبتت بالقرينة القاطعة ولا تدفع العقوبة الملائمة لهذه التُّهْمَة.

هذا في القرائن التي لم يكن عليها العمل في زمان الصحابة، أما الحمل ورائحة الخمر وتقيؤها، فإن النفس تطمئن لمتابعة عمل الصحابة فيها سيما مع عدم وجود المنكر منهم لتلك الحدود التي أقيمت بمحْضَرِهم. ولكن تدرأ تلك الحدود بأدنى شبهة، كاستكراه النائمة، وتصدق دعواها -سيما مع عدم وجود التُّهْمَة - كما فعلوا -رضي الله عنهم-.

١٠ - وعن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان [عبيد الله ابنه] ريح شراب فزَعَم أنه شَرابُ الطِّلاء وأنا سائلٌ عمَّا شرِبَ فإن كان يُسْكِر جَلَدته فجَلَدَه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الحدَّ تامًّا» (١).


(١) «سُنَن النَّسَائيّ الكُبْرَى» كتاب الأشربة، باب ذكر ما أعد الله لشارب الخمر من الذل والهوان (٣/ ٢٣٨).

<<  <   >  >>