للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغالب المقارب للشك وما هو قائم على القطع واليقين أو الظن الغالب المقارب لهما. وسواءٌ سميت البصمة دليلًا قياسًا على أدلة الإثبات الشرعية - وهو الأصوب - أو قرينة قوية، فإن من هذه القرائن ما هو أقوى من البينات؛ قال الإمام ابن القَيِّم -رحمه الله-: «ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار» (١). وسواء اتفقنا معه -رحمه الله- على عين هذا المثال أو لم نتفق، فإن في تطبيقات الطب الشرعي العديد من الأمثلة التي تثبت سلامة منحاه كما تقدم عند الكلام على حجية الدليل المادي.

وقبل أن أذكر أمثلة لما يمكن استعمال البصمة الوراثية به ينبغي التأكيد على الآتي:

• أولًا: إذا كان النسب ثابتًا بأحد وسائل الثبوت الشرعية، ولم ينازع في ذلك الأب ولا الابن فلا يجوز بحال أن يلجأ أحد إلى البصمة الوراثية ولا غيرها لتغيير تلك الحال؛ لما يؤدي إليه ذلك من تفكك الأسر وقطيعة الأرحام وشيوع الريبة في المجتمع.

ولا يجوز لغير الزوج - قبل إقراره - التشكيك في صحة نسب ثبت بالفراش أو طلب التحقق منه. ومن شكك فيه، وإن كان الابن، فهو متعرض لسخط الله ومستحق لحد القذف.

• ثانيًا: لا يجوز للأب أن ينفي ابنه أو يطلب التحقق من نسبه لمجرد الظن الضعيف أو لكون ابنه على غير لونه مع عدم وجود قرينة أخرى، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «جاء رجل من بني فزارة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما لونها؟ قال: حُمْر، قال: هل فيها من أوْرَق؟ قال: إن فيها لوُرْقًا، قال: فأنى أتاها؟ قال: عسى أن يكون نَزَعه عِرْق، قال: وهذا عسى أن يكون نَزَعَهُ عِرْقٌ» (٢).


(١) «الطُّرُق الحُكمِيَّة» لابن القَيِّم (١/ ٨). والجمهور لا يرون رأيه كما سبق في صدر الباب.
(٢) «صَحِيح البُخارِيّ» كتاب النكاح، باب إذا عرض بنفي الولد (٥/ ٢٠٣٢). والحديث يستدل به على غلق الباب أمام تصحيح النسب مهما كانت الأمارات سيما إذا كان الفراش دليل ثبوته. والشبه الذي يعمل به في القيافة قد سقط اعتباره هنا لوجود المعارض الأقوى وهو الفراش.

<<  <   >  >>