على الناس بالوسائل التقنية مجردة من الاعتبارات الأخرى، فإن مجهول النسب هذا الذي لا يمكن إلحاقه بأبيه بأحد الأدلة الشرعية السابق ذكرها كالفراش والبينة والاستفاضة والإقرار، وقد مات أبوه فلا نستطيع أن نلزمه بمسؤوليته الآن تجاه الولد، والورثة نشؤوا وهم لا يعرفون أن لهم أخًا آخر حتى مات أبوهم وجاء وقت قسمة الميراث، فإن ظهور أخ أو إخوة الآن فجأة، مع عدم كون أمه فراشًا أو عدم القدرة على إثبات ذلك أمر يؤدي إلى اضطراب في العلاقات الاجتماعية، ولا يمكن أن يجبر هؤلاء على قبول ذاك الأخ أو أولئك الإخوة إلا عن رضى نفس، ولكن يقال إنهم إذا أرادوا التحقق من النسبة الطبيعية (البيولوجية) لهذا الأخ المزعوم بأبيهم فإن لهم طلب الاستيثاق عن طريق البصمة الوراثية.
وقد يعارض ذلك بأن بعض الفقهاء يجعلون إقرار أخوين أو أخ وشخص آخر بينة على النسب، فهل إقرار أخ وتأييد البصمة له يعامل كبينة؟ وهل ادعاء الولد البنوة وتأييد البصمة للدعوى يثبت النسب؟ لا شك أنه محتمل جدًّا سيما عند من يرى أن نسب ولد الزنا يثبت للزاني ما لم تكن الأم فراشًا لغيره.
أما توقفهم - حفظهم الله - في التوصية الخامسة في جواز استلحاق المرأةِ المجهولَ النسب، فلا شك أن هذا الموضوع متشعب وأهل العلم قد اختلفوا فيه قديمًا، قال الغَزالِيّ -رحمه الله-: «وفي استلحاق المرأة ثلاثة أوجه [أي عند الشافعية] أحدها الصحة كالرجل، والثاني لا لأن الولادة يمكن إثباتها بالشهادة بخلاف الأب، والثالث أنها إن كانت خلية من الزوج لحقها وإن كانت ذات زوج فلا يمكن الإلحاق بها دون الزوج، ولا يمكن الإلحاق بالزوج مع إنكاره»(١).