ذكرناها لا تصح مستنداً لما يطمح إله علم الاجتماع من بسط الأحكام وتعميمها ونضرب على ذلك بعض الأمثلة: لقد نشر الأستاذ بوكله منذ عهد قريب كتاباً عن نظام الطبقات الاجتماعية في الهند ولقد يظن القارئ أن المؤلف قضى قبل أن يتعرض لها البحث بضع سنوات في بلاد الهند باحثاً متتبعاً فدرس اللغات الهندية واختلط بأبناء الهند فعرف عاداتهم وأخلاقهم وأختبر أفكارهم وآراءهم في الحياة. ولكن ليس هنالك شيء من هذا. وكذلك دور كليم فقد وضع مؤلفه الشهير عن أصول الطوطمية في أستراليا فأستمد جميع مواد بحثه من أشخاص آخرين شاهدوها بأنفسهم أو نقلوها هم أيضاً عن غيرهم وقد أعتمد في أكثر ما وصفه من الحادثات الاجتماعية على تقارير من جهلوا لغة وعادات البلاد التي مروا بها في طريقهم وعاداتهم أ، على ما كتبه المبشرون الذين يشوهون بقصد أو بدون قصد ما يلحظونه من ظاهر الفكر دون أن يتعمقوا في درسه وتفهمه. وهكذا أيضاً فإن ليفي برول ألف كتابه عن العقلية الأولية في القبائل الهمجية دون أن يرى هو نفسه في كل حياته واحداً من أفراد تلك القبائل يعيش في البيئة التي وصفها وتكلم عنها.
إن ذلك أشبه شيء بحكم يصدره أحد نقدة الفنون في تقدير صورة من عمل الرسام رفائيل مكتفياً بالنظر لرسم فوتوغرافي بسيط نقل عن الصورة الأصلية أو بحكم طبيب أستن ف تشخيص المرض على ما وصفه له أحد الجهلاء من حالة المريض الذي لم يعده قط. فإذا لم يقم عدد وافر من العلماء والباحثين ينصرفون لوصف دقائق الحادثات الاجتماعية في الجماعات ويدرسونها بأنفسهم فيصفونها كماهي لا كما يجب أن تكون فإن كل تعميم بهذا الشأن يكون عبثاً لا ترجى من ورائه فائدة علمية. وعلى وصف هذه النواحي المختلفة في الأوضاع الاجتماعية يجب أن تقوم دعائم (السوسيوغرافيا) علم وصف الجماعات على أن يترك التعميم بسط الأحكام لمن يجيء في الآتي من العلماء الذين يستفيدون مما تقدم بإضافته إلى ما وصفه الآخرون في الجماعات الأخرى التي درسوا وعرفوها بأنفسهم. فعلم الكيمياء لم يكن ليستحق لقب العلم قبل أن ينبذ نظرية الإحراق الموهومة التي كانت إحدى مراحل تطوره قبل ظهور العالم لافوازيه ولعل هذه المرحلة هي نفسها التي يجتازها اليوم علم الاجتماع بانتظار من يؤدي له الخدمات التي أداها لافوازيه إلى علم الكيمياء.
ومن الغرائب المدهشة أن أصحاب المذهب الاجتماعي الفرنسي استطاعوا أن يتركوا مجالاً