لا أدري كيف أبدأ هذا المقال، أما أتمامه فهو مشكلة أخرى. أنني رجل أسود وأني لا أسأل نفسي كم من الرجال البيض يعرف ما معنى كون الإنسان أبيض؟ وأنا كما أنا، على أني موقن أنه ليس لجلدي اللون الذي لجلد أكثر الناس وإنه ينظر إلي من وجهة عامة كمخلوق غريب يميل الناس لمعرفة كيف يفكر، وكيف يعمل، وماذا باستطاعته أن يعمل. لقد اعتقدت بكل هذا قبل مجيئي إلى كوبنهاغ لأنني عشت في أمريكا حيث اعتاد الناس أن يعتبروا أبناء قومي السود كمخلوقات على حدة لها شأنها الخاص. وفي أمريكا، وأن شئت فقل في نيويورك يوجد حي من الأحياء يسمى هارلم وفي هارلم يختلط الرجل الأسود بالألوف من أبناء جنسه فيرى بوضوح وجلاء تام أن الحياة فيه تشذ عن القواعد العامة.
والشعب الأمريكي الذي اعتاد كثيراً رؤية الزنوج يعد وجودهم طبيعياً رغم أنه يكرههم ولعل في حوادث طفولتي مواد كثيرة للموضوع الذي أعالجه في هذا المقال.
لم أكن في أيام طفولتي في الجاماييك أشعر بأني، كما أذكر ذلك جيداً، أحد أفراد قوم خاص، إنما كنت أعرف أن البعض من الناس أسود والبعض الآخر أبيض. هذا كل ما في الأمر وفي بعض الأحيان كان سماع جملة أو قراءة سطر يجعلني أشعر أنه ينظر إلي كزنجي ولكن هذا الشعور لم يكن ليدوم أكثر من بضع دقائق لأن الزنوج في الجزيرة كانوا يبلغون أكثر من أربعة أخماس السكان ولأن مسألة عدم اختلاط الزنوج بالبيض كانت مسألة جنسيات. فمعظم البيض كانوا يشغلون وظائف كبرى ومراكز أخرى ذات شأن كبير وإذا كانت طريقة معيشتي تختلف عن طرق معيشتهم فذلك يعود إلى أنهم أغنياء ولأن مراكزهم الاجتماعية كانت تتطلب ذلك ولعل هذا كل ما كان يخيل لي بهذا الصدد.
وقضيت أعوام حياتي الأولى كإنسان مستقل بذاته فخور بعائلته. ولم يكن ليدور في خلدي