ظهر في هذا الشهر المجلد الثاني من مجموعة المباحث الشرقية التي يصدرها في كل عالم المعهد الافرنسي في دمشق. وهذا المجلد لا يقل عن مجلد العام الغابر بما فيه من مقالات قيمة وأبحاث علمية دقيقة عالجها أعضاء المعهد وغيرهم من الأساتذة الأخصائيين معالجة هي مثال لما وصل إليه الاستقصاء الحديث والتتبع العلمي. وأول ما يلفت النظر في هذه المجموعة طبعها المتقن وورقها الصقيل وما فيها من النقوش التاريخية والرسوم العلمية التي كثيرا ما تزيد في لذة القارئ وتغريبه بالمطالعة والدرس. وفي هذا المجلد الذي يقع في ١٢٥ صفحة من القطع الكبير مقالات كثيرة من أهمها مقالة المستشرق الأستاذ جان سوفاجه عن مراسم المماليك المنقوشة في سورية ومقالة الأستاذ مونتانيه عن سكان الجزيرة العليا ومقالة الأستاذ جان غولميه عن بعض مناظرات أدبية بين أهالي حمص حماه. .
ولقد درس الأستاذ سوفاجه في مقاله بعض نقوش عربية لم تنشر بعد جمعها من المباني التاريخية في دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية مقتصرا في درسه هذا على النصوص التي نقشت بصورة مراسيم أصدرها المماليك في سورية وكان لها شأن تاريخي عظيم في بيان أثار الحضارة في بلادنا ولقد اثبت نصها العربي وشرح ما غمض من ترجمتها شرحا هو نموذج لما يأتي به التتبع العلمي من الفوائد العلمية في درس آثار الأمم وعوالم مجدها الغابر. ومما يزيد في فائدته مقالة انه نقل أكثر تلك المنقوشات العربية مع رسومها الفوتوغرافية إلى لوحات أضافها على بحثه الذي استوعب خمسين صفحة من صفحات المجموعة.
ودرس الأستاذ مونتانيه في مقاله قسما من سكان الجزيرة العليا في شمال سورية من أعراب رحل ومتحضرين ونصف متحضرين وكذلك سكان القرى والمدن مبينا تأثير الإقليم والتربة والعوامل الاقتصادية والاجتماعية في طراز معاش هؤلاء الجماعات وما بينها من الفوارق وما يخشاه الموظفون السوريون من أن
ينشأ هنالك أقليات تتكلم بلغة غير لغة الوطن العربي وتدين بدين غير دينه. ولعا فائدة المقال العلمية كانت أكثر قيمة لولا بعض نظرات ونتائج يشتم منها رائحة السياسة.