كان الناس منذ أربع سنوات يوم افتتحت كلية الآداب من محبذي هذه الفكرة فلما ألقيت أول محاضرة فيها هتفوا لها فرحاً وعلقوا على تأثيرها في الشبيبة أعظم الأماني ولكن ولم يلبثوا قليلاً حتى رأوا الشبيبة تعرض عنها وتتصرف إلى سواها، لأنها لم تجد فيها ما كانت تتطلع إليه من ينابيع الحكمة ووسائل النجاح في الحياة.
ولو أن حاملي شهادة هذه الكلية كانوا يجدون من وراء شهاداتهم نفعاً مادياً، لا قبل الطلاب عليها ورضوا بما فيها من النقص، ولاستبدلوا بالعلم نتيجة مادية. إلا أن هذه الكلية لم تهيئ طلابها للحياة بل حصرت علومها في الأدب العربي ونصوص اللغة وغير ذلك من البضاعة البالية. فلا غروا إذا أعرض الشبان عنها وهم يرغبون في تثقيف أفكارهم، لا في زيادة ألفاظهم. وهم، مهما تكن درجة ثقافتهم يعلمون أن كليات الآداب في بلاد الغرب تعني بتعليم الأدب كما تعني بتعليم الفلسفة والاجتماع والتاريخ والتربية وغيرها من العلوم المتممة للأدب وتعود طلابها طريقة البحث العلمي والانتقاد والتحليل والاستقراء والمقايسة وتمرنهم على التتبع الشخصي وحرية الفكر وغير ذلك من الدروس التي توسع المدارك وتهذب الشعور.
أضف إلى ذلك أن دروس الأدب العربي في هذه الكلية لم تكن كاملة فلم تتناول محاضراتها سوى أفراد من الأدباء ولم يرتفع مستواها عن مستوى الدروس الثانوية، حتى أن بعض دروسها كانت دون مستوى التعليم الثانوي من حيث النقد والتحليل والتتبع الشخصي دون إشارة إلى تطور الأدب عامة وتطور الأدب العربي خاصة مع دراسة نواحيه المختلفة وفقاً للطرائق الحديثة المتبعة في الجامعة الغربية.
ولعل لضعف التلاميذ الذين تابعوا دروس كلية الآداب أثراً في ضعف مستوى الكليلة فقد أدخلوا فيها بادئ بدء كثيراً من التلاميذ الضعفاء الذين لم ينهوا دروسهم الثانوية فكان الأساتذة يضطرون في تعليمهم إلى السير معهم أضف إلى ذلك جهلاً بطرائق التعليم العالي وتنظيم العمل.
إذن فلا غرو إذا فشلت هذه التجربة وقررت الحكومة إلغاء الكلية، لأنها كانت من عجائب