للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[فلسفة سبينوزا]

قامت الجامعة العبرية الفنية في القدس خلال العام الفائت بإحياء ذكرى الفيلسوف سبينوزا لمرور ثلاثة قرون على ولادته، كعظيم من عظماء الأمة اليهوندية رفع اسمها عالياً في كل ناد تشع فيه أنوار الحكمة وتسيطر على نفوس أبنائه موحيات العقل. ولكن الرجل المفكر ملك للإنسانية جمعاء.

سبينوزا هو أحد أولئك العظماء الذي تنكشف الغلائل عن سر عظمتهم كما تقادم العهد وكرت السنون. وقد تضاربت آراء معاصريه فيه ولم يشعر بعظمته وقوته غير الخاصة فبعضهم كان يعتبره عالماً في البصرات وأستاذاً محققاً يتصف بالزهد الذي يلازم أرباب التحقيق وآخرون كانوا يتميزون من الغيظ إزاء ماديته وإلحاده ويبنون بين جمهرة قرائه شروحاً غامضة لفلسفته ولذا كان العصر الذي عقب وفاته عصراً امتلأت فيه النفوس بالنقمة عليه ولم يعمد فيه المفكرون إلى دراسة آرائه وتمحيصها بهدوء، فهيوم الفيلسوف الإنكليزي، مثلاً، كان يكثر من الكتابة عن المشاعر التي جعلت سبينوزا ممقوتاً وعن فرضيته المخيفة. والإثم الذي اقترفه سبينوزا - في نظر أولئك الناقمين - ناتج عن إنكاره للأسباب النهائية والمقاصد التي تعزى إلى الطبيعة، وخلود النفس، وحرية الإرادة والمسئولية الخلقية في معناها العادي الشائع. ولقد حسبوا هذه الآراء مادية صرفة وجحوداً إيجابياً مخيفاً بزج الإنسانية في بحران روحي، وزاد في نقمتهم أن فيلسوفنا كان يرى في الله والطبيعة اسمين لمسمى واحد، وكان يعتقد أن جميع الأشياء التي يراها الإنسان صالحة أو طالحة، نبيلة أو دنيئة هي أجزاء لا تنفصل عن الكل الإلهي. وفي ذلك يقول، إن الفكرة التي تقول بأن ثمة حوادث تجري خلافاً لإرادة الله وأن بعض رغباته لا تتحقق، أو أن ذاته منطوية على نزعات تشبه ما يختلج في نفوس أبناء الغناء، إذ يعطف على أشياء ويمقت أخرى هي فكرة خاطئة تسبغ على الآلة كل صفات النقص وقد أضاف إلى ذلك في موضع آخر قائلاً ليس في الطبيعة جمال ودمامة أو نظام وفوضى. بل صور وصفات تعكسها مخيلتنا.

هذه النظرة الشاملة التي تمثلها (البانته ثيزم) أو وحدة الوجود رفعت شأن سبينوزا في عيون شعراء الإنكليز المثليين ك - (شلي) و (وورد سورث) ولفيف كبير من إبداعي (رومانتيكي) الحرمان، ذوي النفوس الشاعرة الطليقة المولهة بحب الطبيعة حتى أن

<<  <  ج: ص:  >  >>