وصف الأستاذ في الفصلين، الأول والثاني، من رحلته التي أرسلها خصيصاً إلى الثقافة سفره من بيروت وما رآه في حيفا وبور سعيد وأثينية وسلانيك وبلغراد وتريسته والبندقية وميلان وباريز وكارلسروه وستوتغارت حتى وصل مونيخ، وقد نشرت الثقافة هذين الفصلين في الجزئيين السابقين والمقابل التالي هو الفصل الثالث الذي تختم به الرحلة.
٢٨ تموز سنة ٩٣٣ - مونيخ
وجرى القطار يسير بنا إلى مونيخ ونحن نمتع النظر بما انبسط أمامنا من مناظر جبال الألب في بافاريا وما انتشر على سفوحها من تلك القرى البديعة التي استترت سطوح بيوتها ذات القرميد الأحمر بستار رقيق من النبت الأخضر. ولم نصل مونيخ حيث يقيم المستشرق الألماني العظيم بير غستروسر، حتى ذهبت لزيارته التي كانت كل ما ابتغيه من وقوفي في هذا البلد، وهو يسكن بيتاً في طريق هادئة ساكنة امتدت في قلب المدينة، ولقد تلقاني بأعظم ما يمكن من البشاشة والترحاب، وتحدثنا معاً عن سورية، وعن دمشق التي يعرفها جيداً، ويحن إليها كثيراً، لأنه لم يعد لزيارتها منذ أمد بعيد. وحاولت أن استدرجه للتكلم في السياسة فلم أفلح، وشعرت حينئذ أنه ليس من محبذي الحركة الهتلرية، ولكنه لا يستطيع أن يقول لي كل ما يعتقده. لا مجال للمزاح في بلاد الحكام المطلقين (الديكتاتوريين) ولعل الحذر من كل غريب نزل هذه البلاد هو واجب لا مندوحة عنه.
لقد كانت مونيخ في هياج وضوضاء، فهي من جهة أولى تستقبل في هذا اليوم وفداً من الشباب الفاشيستي الإيطالي جاء يزور الشباب الهتلري، ومن جهة ثانية تعد العدة لعيد الصيف ومهرجانه الذي هو أيضاً أحد مظاهر الشعب القريبة من المجوسية التي أحياها هتلر ليقوي بها نشاط مريديه وأنصاره. فالشعب الألماني ينسى خلال هذه الأعياد الكبيرة أنه جائع، فينصرف إليها ويتلهى بها.
٢٩ تموز - مونيخ
ذهبت مساء أمس إلى دار البلدية حيث يستقبلون وفد الشباب الفاشيستي الإيطالي فرأيت