لوحات كبيرة علقت على باب كتب عليها أحرف كبيرة (دخول اليهود ممنوع). وقد تركوني ادخل دون أن أبرز تذكرة أو بطاقة دعوة ولكن كان على الباب اثنان من الهتلريين يحدقان النظر في وجه كل داخل ليتحققا من أن ليس في ملامحه ما يدل على أنه من اليهود. ولقد كان تفرس هذين الحارسين في ملامح كل داخل، ليريا إذا كان أنفه أقنى كأنف اليهود، أو شعر رأسه أجعد كشعر اليهود، ما يدعو حقيقة للضحك. ومن الغريب أن يرجع الهتلريون إلى هذا الأسلوب في معرفة اليهود وتمييزهم عن سواهم.
لا مشاحة في أن الحماس بلغ أشده في ذلك المجتمع الحافل. فلقد ألقيت الخطب ورتلت الأناشيد الفاشيستية، وكذلك الأناشيد الهتلرية التي هي والحق يقال غاية في حسن النغمة وجودة التوقيع. إن ألمانيا لم تنس أنها بلاد الموسيقى. وعند انقضاض الجمع وخروج المجتمعين غصت أماكن الشراب والمقاهي بالرجال الذين أحوجهم صراخ الحماس لإطفاء الظمأ.
عدت إلى الفندق في ساعة متأخرة من الليل، ورغم الحر الشديد لم أجد في الطرق إلا عدداً قليلاً من المارة، مع أن الطقس كان يحلو معه استنشاق النسيم في تلك الشوارع العريضة، وعلى ضفاف نهر الإيزار، وفي تلك الحدائق العامة المتسعة الجوانب.
ولكن هتلر لا يحب أن يطرب الألماني أو يلهو مما ألجأ الكثير من أصحاب أماكن الطرب واللهو في الليل لإغلاق محلاتهم. والنساء الألمانيات لم يعد لهن الحق بالزينة والتبرج ثم أن هنالك ما يخشى الساري أن يتعرض له من الحوادث المزعجة، وقد يقع له أن يقوده إلى مخفر الشرطة رجال الحرس الهتلري الذين قد يبتغون من وراء ذلك إظهار نشاطهم ونفوذهم.
لقد ذهبت في هذا الصباح إلى سوق الورد والزهر، فرأيت فيه أنواعاً كثيرة من الفواكه والأزهار جميلة ورخيصة جداً، وقد صفت جميعها في معارض من الزجاج تمثل سلامة الذوق وحسن الترتيب. وفي المقاهي المجاورة اجتمع الفلاحون الذين جاءوا إلى السوق بما أنتجته أراضيهم من الزهر والثمر، يشربون ويغنون أناشيد غرامية قديمة غمرتها العاطفة المضطرمة. ولقد احتفظ جميعهم بألبستهم القديمة التاريخية التي يلبسها سكان الجبال، تلك الألبسة العزيزة على قلب الشاعر الفريد دي موسه: