لا أرى ما يحوجني أن أقول لكم: عليكم أن تتفاهموا على تباين لغاتكم واختلاف عناصركم وتعدد نزعاتكم بلغة الألم، لأنها لغة الضعفاء وهي اللغة الوحيدة التي تتفاهمون بها اليوم ولكني أرى انه حقيق بي أن ادعوكم لتتفاهموا بلغة اللذة لأنها لغة الأقوياء والجبارة، لغة الألم هي لغة كل مريض وسجين وخائف وطريد، هي لغة كل امة غلب عليها. ولكنكم متى وصلتم الألم باللذة من طرفيه كما يتصل ليلكم بنهاركم من طرفيه أصبحتم تحلمون بللذة كما يحلم الساري بطلوع الفجر، وليس الحلم باللذة سوى اللذة نفسها.
المريض الذي يحلم بالصحة صحيح في مرضه والخائف الذي يحلم بالأمن آمن في خوفه والطريد الذي يحلم بالأوبة آيب في طروده والأمة المغلوب عليها أمة غالبة إذا حلمت بالغلبة، أن أحلامكم مبعث إيمانكم وليس إيمانكم بغلبتكم سوى غلبتكم نفسها ولذتكم بهذه الغلبة نفسها.
سمع الكثيرون يتشدقون حتى من أعلى المنابر بقولهم: يجب علينا نحن الشرقيين أن نحمد الظلم الذي جمعنا تحت لواء المشرقية وجعلنا إخوانا نتألم للحقوق الواحدة التي اغتصبناها. وأنا أقول أن الأحرى بنا أن نجتمع تحت لواء التحرر من هذا الظلم. وان نحمد التحرر وحدة ونلتذه، أما إذا كنا نلتذ الظلم لأنه آخانا وجمعنا تحت كنفه فلسنا غلا كالمسجونين الذين اعتادوا الشقاء والذل وأصبحت أيديهم وأرجلهم لا تنوء بأعباء قيودهم ولا أظنني مبالغا إذا قلت: إنهم قد يسمعون برنين قيودهم نغمات موسيقى مطربة
لا تحسبو إنني لست من البشر الذين لهم دم يجري في عروقهم وجسوم
ينال منها الحر والبرد وأعصاب حساسة في أناملهم تشعر بالخشن والناعم بل اعلموا أنني صحيح الجسم صادق الحسن ولكنني أيضا صحيح الإرادة فكما إن الدم الذي يجري في عروقي يجب أن احتفظ بقوة اندفاعه الواحدة لكي اثبت صحة جسمي كذلك يجب أن احتفظ بملمس واحد للأشياء فلا المس الخشن منها إلا من وراء طبقة صفيقة تحول دون تخديش أناملي وكذلك يجب أن البس الثقيل من اللباس فلا يؤثر في البرد إذا خشيت شره. وتلك الطبقة الصفيقة التي البسها أناملي وذاك اللباس الثقيل الذي ارتديه قد لا أفتش عنهما طويلا