بمناسبة مرور (٤٠٠) عام على ولادة الكاتب الفرنسي ميشيل دومونتاين (١٥٣٣ - ١٥٩٢).
كان عام١٥٦٢مفعماً بالزوابع قد استولى فيه القلق على النفوس وأخذ الإفلاس يهدد كل الحكومات الأوروبية التي كانت الجيوش المأجورة تجتاحها ويؤلف فيها الفلاحون، وقد احترقت مزارعهم ومساكنهم، عصابات همها النهب والسلب وأصبح قتل الملوك مذهباً شائعاً وتقتيل الرعية عادةً مألوفةً. وفيما وراء البحر الإطلانتيكي كان المستعمرون، الذين لا يعرف جشعهم حداً يتسابقون في سفك الدماء لإبادة سكان أمريكا الأصليين. فلم تنقض مدة قصيرة حتى أخذت قبائل الهنود الأمريكية في الاضمحلال وقلت الأيدي العاملة منهم لخدمة المستعمرين. حينئذ وجهت الحكومات الاستعمارية أنظارها إلى إفريقيا وبدأت تجارة الرقيق الأسود في أشنع صورها، ويمكن أن نعتبر سنة ١٥٦٢تاريخاً لافتتاح تجارة الرقيق من قبل الإنكليز تحت قيادة (جون هركنس). وفي هذا الوقت كانت الحرب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت محتدمة في فرنسا حيث كان الملك شارل التاسع، وهو صبي في الثانية عشرة من عمره، تحت وصاية والدته كاترينا دي مديتشي المشهورة بالمكائد والدسائس. وكانت هذه إذ ذاك تدبر الأسباب لمذبحة (سن بارتيملي) التي تعد من أفظع حوادث التاريخ وأشنع مثال للتعصب الديني. وقد كان جنود الملك يحاصرون البروتستانتيين في مدينة (روئن) التي استولوا عليها في٢٦تشرين الأول ١٥٦٢وكان الملك الصبي حاضراً مع الجيش وفي حاشيته كثير من الإشراف بينهم (ميشيل دو مونتاين) عضو البرلمان في (بوردو) الذي كان في التاسعة والعشرين من العمر. وبعد مدة طويلة، لما انزوى مونتاين، الشيخ الشاعر في قصره وأخذ يكتب مذكراته لم يجد في حوادث الاستيلاء على (روئن) ما يستحق التدوين سوى ملاقاته مع ثلاثة من ضيوف المدينة الغرباء. فقد صدف أن كان هناك ثلاثة من الهنود الأميركيين، الذين يقول عنهم (مونتاين) أنهمأناس شرفاء انقادوا، يا للأسف، إلى دافع حب الاطلاع فتركوا الفقر في بلادهم ليشاهدوا آثار رقي مملكتنا في يوم من الأيام بحرمان ما كانوا يتمتعون به من هدوء وسعادة. وكان الملك الصبي قد سمع عن الهنود الثلاثة فطلب إحضارهم إلى مجلسه وتحدث إليهم عن أمور تافهة أجابه عليها أكبرهم سناً بكلمات بسيطة صريحة. وقد اهتم