لماذا تحدث الحروب والفتن والمجاعات من وقت لآخر؟ ومن أين تنزل على البشرية تلك المصائب؟ وما هي الأسباب في توالي الأزمات التاريخية حيناً بعد حين؟
إننا إذا سألنا مؤرخا صادقاً، صريحاً - وما أقل أمثاله بين المؤرخين ويا للأسف! - إذا سألنا مؤرخا عن الأزمات في التاريخ فلا بد أن يجيبنا بأن جميع العصور والأمصار كانت دائماً مسرحاً لويلات الحروب وفظائع الفتن وفواجع المجاعات وإن أوقات السلم والهناء والاطمئنان لم تكن سوى فترات قصيرة جداً أو بالأحرى مراحل تستريح فيها البشرية قليلاً قبل أن تعود إلى عهدها السابق، عهد الملاحم والآلام والتزاحم. ويمكن القول أن عصور الفوضى والاضطراب هي الحال الطبيعية للبشر وأن سنوات الراحة والازدهار ليست إلا أدوار انتقال مؤقتة.
على أن الناس، حسب فطرهم، لا يستغربون سعادتهم ولا يتعجبون إذا وجدوا من الخبز ما يكفيهم فلا ينقص بدرجة تقضي على الكثيرين باحتمال الجوع ولا يزيد عن اللازم حتى يستطيع المزارعون بيع محصولهم مقابل حاجاتهم الأخرى. وهم كذلك لا يستغربون إذا رأوا أحياناً الأمم تعيش في وئام فلا تشن إحداها الغارة على الأخرى أو تسعى للقضاء عليها واستثمارها تدريجياً بعهود ثقيلة ترغمها عليها.
بل الناس يأخذهم العجب إذا صادف واختل نظام هذه العلاقات وانتهت بذلك فترة الهدوء واشتعلت نار الحروب والفتن من جديد وتعاقبت المجاعات والأوبئة فإنهم حينئذٍ يتساءلون عن هذه الأزمات ويريدون أن يعرفوا: من أين أتت؟
لأن رجال الدين لم يقدموا إلى الآلهة الظلام ما يكفي من ضحايا لإرضائهم بالرشوة.
هكذا تعلل الأقوام الابتدائية في الماضي والحاضر الأزمات التاريخية. وكانت الكتب المقدسة عند بني إسرائيل تدعي بأن الشعب قد استحق في كل مرة نقمة الإله لأعراضه عن سماع مواعظ أنبيائه وانغماسه في المنكرات. ذلك هو التعليل الدين للأزمات ومنه نرى أن الناس كانوا يرجعون السبب فيما يحيق بهم من مصائب إلى خبث آلهتهم أو نقمة الرب وعقابه أي إلى قوى فوق الطبيعة.
ثم لما فقد الناس العقيدة الدينية فإنهم كانوا، إذا رأوا الأعداء إنما تغزوا بلادهم عندما ينقصهم السلاح اللازم للدفاع أو أن أسعار البضائع إنما تهبط بصورة لا مثيل له بينما هم