كان عرب الجاهلية يعرفون (النفط) ويطلون به أبلهم الجربى كما يطلونها بالقطران.
والنفط سائل معدني عرفوه الأقدمون ممزجاً بالشوائب ولم ينعموا تصفيته كما أنعهما أهل زماننا وهو الذي سميناه بالكاز وبزيت الكار وبالبترول. والبترول كلمة إفرنجية مركبة من (بترو) بمعنى صخر و (أويل) بمعنى زيت فمعنى الكلمتين زيت الصخر أو الزيت الحجري لأنه يتفجر من بين الصخور والأحجار.
وعرف أبو حنيفة (اللغوي) النفط بقوله (والنفط حلابة جبل في قعر بئر توقد به النار).
يريد أن يقول أن النفط سائل يتحلب من مرتفعات الجبال ويتسرب إلى قرارات الأرض فيستنتقع فيها حتى إذا امتلأ مكانه تفجر وخرج ينابيع بنفسه أو أخرجه الناس بالحفر كما يفعلون اليوم.
وكان الأقدمون يستعملون النفط في إيقاد النار كما قال (أبو حنيفة) ويسمون الأرض التي يوجد فيها النفط (نفاطة). وكذا السراج الذي يوقدون به النفط الاستضاءة سموه نفاطة. وليس هذا فقط بل إنهم اتخذوا إناءً من نحاس يوقدون به النفط ويلقونه على العدو كما تطلق المدافع اليوم. ويسمون ذلك الوعاء أو المرماة النحاسية (نفاطة) أيضاً.
ويظهر أنهم كانوا يستعملون النفط علاجاً فقد قال صاحب القاموس (والنفط محلل مذيب مفتح للسدود والمغص قتال للديدان الخ. .).
وكل هذا لا يهمنا وإنما يهمنا أن نعرف كيف اهتدى عرب الجاهلية إلى وضع كلمة (الكحيل) التي حرفت (الكحول) للدلالة على المادة الكيماوية التي تسمى بالإفرنجية (سبيرتو) - أولئك العرب الذين كانوا يراقبون الأشياء التي تقع تحت حواسهم بيقظة وانتباه ثم يميزون بين خصائصها ويضعون لكل شيء ذي صفة خاصة به اسماً يناسب تلك الخاصة ومهما كثرت الأشياء وتعددت الخواص فأنهم واجدون لها من لغتهم الخصبة الطيعة كلمات للدلالة عليها.