لقد أصبح من المعروف حتى بين عامة الناس في سورية أن كل عمل تقوم به جماعة أو شركة أو رهط من السوريين مصيره في الغالب إلى الفشل ومن المعروف أيضا أن اكبر أعمال وأعظم المشاريع في الغرب قل أن يقوم بها إلا جماعة اشتراك أفرادها في العمل واتحدوا عليه سواء كانت تلك الأعمال صناعية أو تجارية أو سياسية. ويتساءل الناس كثيرا عن السر في عدم نجاح عمل الجماعات في سورية تساؤلا جدليا قل من ينصرف فيه إلى التحليل والدرس على الطريق الاستقراء والاستنتاج. ولتحليل الحادثات الاجتماعية
وتفهمها أصول لا يصح معها تفسير الظاهرة الاجتماعية بعلة واحدة والاعتماد بالبحث عن أسبابها على عامل واحد فقد تتضافر العوامل والعلل فتخلق وضعا اجتماعيا واحدا وقد تكون هذه العوامل والعلل فردية يرجع فيها إلى التحليل النفسي أو اجتماعية أصولها إلى روح الجماعات ومزاياها الخاصة وما احتفظت به من تقاليد الماضي وعرفه وأوهامه. على أن بين هذه العوامل والعلل ما هو رئيسي يعمل أضعاف أضعاف ما تعمله العوامل الأخرى في تكيف الوضع الاجتماعي وتطوره وهذه العوامل الأساسية في عدم نجاح عمل الجماعات في سورية هو ما سنتعرض لبسطه وتعليله في هذه العجالة.
يتوقف نجاح العمل في الجماعات على شروط أساسية كثيرة غير وحده الغاية والمبدأ من أهمها الثقة المتبادلة بين أفرادها الجماعة والمفاداة بكثير مما تمليه الأثرة وحب الذات، وأهمها اعتقاد الفرد بإخلاص شركائه في العمل وحسن ظنه بهم وتناسبه جزءا من ذاتيته وتنازله عن شيء كثير مما يعتقده من حقوقه لإنهاض المشروع الذي ترمي إليه الجماعة قبل سعيه لتأمين ما يرمي إليه هو نفسه وتفضيله الغاية العامة على الغاية الخاصة متى تعارضت الغايتان وغير هذه من الشروط التي تتطلب في كل فرد من أفراد الجماعة شيئا من التضحية والإخلاص وسلامة القلب وشرف النفس وسمو الروح وهي صفات لا تتفق بشيء مع ما نسميه الأنانية على أن الأنانية من الوجهة العامة تكاد تكون ابرز ظاهرة من ظواهر نفسية الرجل السوري يؤيد ذلك ما يمكن الرجوع إليه من التحليل النفسي بطريقة درس ظواهر
الأعمال ونتائجها. والأنانية لا تنافي الذكاء بل تؤيده وتدل عليه فالرجل السورية حديد الذكاء سريع الخاطر لكن في ذكائه شيء كثير من الخبث والدهاء وسوء الظن وعدم الثقة