للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الشاعر]

مخلوق خالق، وروح خالدة، يصور من خفقات قلبه، وخلجات ضميره، وإبداع فكره، أشباحا ينفخ فيها من روحه فإذا هي من الخالدين ملك أو جني، هبطت روحه من عالم الغيب فتمثلت بشرا سويا، فهو مع بني الإنسان ولكنه غريب عنهم فما يزال يصيخ إلى هيمنة الملائكة في السماء، أو عزيف الجن في الصحراء ويستشف من وراء الأفق عالما نورانيا، ويتبين في الجو مسارح انسه الأولى، ومعاهد هواه القديم:

لابنه الجني في الجو طلل

فهو يقظان حالم، أنكر الناس أمره، وحاروا في شأنه، وقالوا شاعر أو مجنون.

يأنس بالوحدة لأنه من نفسه في عالم، ويؤثر السكون ليسمع جلجلة الوحي وأصداء الأرواح، ويسكن إلى الظلام ليشاهد الرؤى والأشباح، ويغمض عينيه ليرى ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.

وارحمتا له! القطرة على الزهرة دمعة على خد، والغصن حيال الغصن وقد يهفو إلى قد، والظلال أشباح والنسائم أرواح، وفي العبير عبقة من ريح أحبابه، وفي الزهر بشاشتهم، وفي البرق أشواق تشب، بل في كل ما يرى ويسمع ويتخيل معان حية يخفق لعا الشعر في قلبه، ويجيش في صدره، ويثير في نفسه هزة ترتعش لها يداه، ويقشعر جسمه فيطل الشعر من عينه دمعا، ويجري على لسانه سحرا.

ما قرأ الناس من شعره إلا ما تقمص اللفظ، لان ديوانه أوسع من أن يحاط به، فمن قصائده ما يخفق في قلبه، ومنها ما يحيك في صدره، ومنها ما يتمثل في مخيلته، ومنها ما يشع في بصره، ومنها ما يفيض من عينه.

لا يعرب الاعتدال في شيء، لأنه واسع الخيال، حاد الحس، سليم القلب، فإذا عبد تبتل، وإذا صبا هوى، وإذا تعفف تقشف، وإذا تنعم أسرف، يهيم في كل واد، ويسمو بأحلامه إلى السبع الشداد.

نبأ من الملا الأعلى أنكره أهل الحياة الدنيا وقالوا شاعرنا أو مجنون

خليل مردم بك

<<  <  ج: ص:  >  >>