للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لا مرتين في سوريا]

بمناسبة مرور مائة عام على مجيء لامرتين لسوريا

للدكتور أنور حاتم

استهوى حب الشرق جميع الناس في أوائل القرن التاسع عشر فسحرت أوروبا كلها بقراءة (دليل) شاتوبريانمنباريس - إلى القدس وبكى القرن بأسره موت الشاعر الإنكليزي (بيرون) شهيد استقلال اليونان ونال فيكتور هيجو شهرة كبيرة حينما نشر (الشرقيات)

لم يسافر لامرتين إلى الشرق كما زعم بعض الرواة لكي يعي نفسه بعد فشله في الانتخابات النيابية ولكن السفر إلى سوريا كان حلم حياته الدائم. سمع نداء الشرق صغيراً ورآه في أحلامه المدرسية حيث تجلى له بسحره ووحيه وشمسه الساطعة وقد قال في كتاب عام ١٨١٨: لو كنت أملك مائة دينار فقط لسافرت بها إلى اليونان والقدس وحرمت نفسي من جميع المآكل سوى الخبز.

غادر لامرتين فرنسا ومعه امرأته وأبنته وطبيبه الخاص وصديقان وستة خدم وبلغ بيروت في ٦ أيلول سنة ١٨٣٢ على ظهر (الأنسست) السفينة التي استأجرها من برونو روستان جد الشاعر الكبير أدموند روستان مؤلف سيرانو دي برجراك وغادر لامرتين سوريا من يافا قاصداً القسطنطينية في ٣٠ نيسان عام ١٨٣٣ وكانت رحلته إلى الشرق من أسباب اهتمامه بالمسائل السياسية والاجتماعية.

وقد خيبت زيارة بلاد اليونان آمال الشاعر ولم ير فيها غير صخور عادية مجدبة ولكن الساحل السوري أدهشه بعظمته وتنوع مناظره وقد ترك امرأته وابنته في بيروت وذهب على رأس قافلة فخمة مؤلفة من خمسة وعشرين حصاناً لزيارة فلسطين وبلاد الشام وعند عودته أصيب بموت ابنته الوحيدة جوليا التي توفيت في بيروت في ٦ كانون أول ومرض لامرتين نفسه وأشرف على الموت في قرية نائية في بلغاريا أثناء مروره بها راجعاً إلى بلدته (ماكون).

أحب لامرتين سورية وحياة السوريين وأخلاقهم وعاداتهم ولم تخف عليه الفوضى التي كانت قائمة في البلاد وتعدد الحكام والأمراء والديانات فتأسف على ذكاء ذلك الشعب الضائع وقال: كم من الأعمال العظيمة كان يستطيع أن يأتي بها رئيس حاذق من رجال

<<  <  ج: ص:  >  >>