من كتابنا المعاصرين طائفة حديثة النشأة اتخذوا لأنفسهم طريقة جديدة في الكتابة ترتكز علباً على الأدب الإفرنجي. وتحتذي مثاله في الأسلوب الإنشائي.
وأنا أرى أن هذا لا يضر آدابنا العربية بل هو اقتباس أو تطور طبيعي في لغات الأمم وآدابها فإن بعضها يقتبس من بعض أساليب كما يقتبس ألفاظاً.
لكن هؤلاء المجددين أفرطوا في انتحال أساليب الإفرنج وأكثروا الغض من أساليب كتابنا الأقدمين. إلى حد أن عطلوا - أو كادوا يعطلون قواعد اللغة العربي: فهم لا يبالون نحوها ولا صرفها ولا يتكلفون عناء مراعاة هذه القواعد في خطبهم وكتاباتهم. بل ذهبوا إلى أبعد من هذا: فزعموا أن كل كلمة عربية مجَّها ذوقهم وجب أن تموت ويخلفها من كلمات الأعاجم وتعابيرهم ما شاءوا وأحبوا.
وكنت منذ ربع قرن صنفت كتاباً سميته (الاشتقاق والتعريب) جوزت فيه ماجوزه أدباؤنا الأولون من استعمال الكلمات غير العربية في الكلام العربي وأثبت أنها لا تخل بفصاحته. ولا تنزله عن درجة بلاغته. ثم إني كدت أندم على هذا التأليف إذ بلغني أنه أصبح أداة بيد بعض المجدين فاتخذوه حجة لمذهبهم في اصطناع الكلمات الأعجمية بمقياس أوسع مما كنت قررته في كتابي المذكور.
ولا يخفى أن أدباءنا الذين كتبوا في فن البلاغة اختلفوا في بلاغة الكلام وفصاحته أمرجعها اللفظ أو المعنى؟ فبعضهم جعل استجماع شروط الحسن في اللفظ هو معظم الفصاحة وجمهورها. وقد راجت هذه الفكرة من بعد عهد الجاحظ. ونفق سوق الكلام الضروب على غرارها أيما رواج. ولاسيما في أواخر القرن الرابع للهجرة أي في عهد ابن العميد وتلميذه الصاحب بن عباد.
وبقيت طريقة هذه المدرسة اللفظية - أي التي يعنى فيها بتجويد اللفظ - سائدة في بلاد العرب وفي دواوين ملوكهم الأعاجم حتى كان خاتمة أئمتها القاضي الفاضل في أواخر القرن السادس.