للقسطنطينية ميزات كثيرة على غيرها من بلدان الأرض لا سيما من الجهتين الطبيعية والسياسية فإن موقعها الجغرافي يجعلها تسيطر على البحرين الأبيض والأسود اللذين لهما مكانة تجارية عظيمة كما أنها حلقة الاتصال بين قارتي أوروبا وآسيا أو بالأحرى بين الشرق والغرب وهي تقوم على ضفاف البوسفور ذلك المضيق التاريخي الذي شهد أعظم المآسي. وقد أنشئت هذه العاصمة سنة ٦٥٨ قبل الميلاد من قبل حاكم (هدغارا) التي هي في جوار برزخ (قوربنت) في بلاد اليونان. أما خليجها المسمى بالقرن الذهبي فهو واسع عميق ومن الخلجان التي تلجأ إليها السفن وقد كان يسد بسلسلة طولها ٢٥٠ ذراعاً فلا يستطيع الأعداء دخوله وسميت (بيزانس) وأصبحت قبلة أنظار الأمم العظيمة.
خضعت القسطنطينية تباعاً لأقوام شتى بسطت سيطرتها عليها في القرون الغابرة فقد حكمها السبرطيون ثم اليونان ثم استولى عليها القيصر (قلود) الروماني الذي حكم من سنة ٤٥: ٤١ ق. م وفي سنة ٣٣٠ ميلادية أصبحت عاصمة للقيصر قسطنطين الكبير الذي نقل إليها بلاطه من روما وسماها باسمه سنة ٣٣٧ م وقد بقيت في أوج مجدها حتى فتحها محمد الثاني العثماني في ٢١ أيار سنة ١٤٥٣ فدانت للحكم العثماني وقلبت كنيستها العظيمة أيا صوفيا مسجداً وهو من أهم المساجد في العالم اليوم.
ولا ننس جمال موقعها الطبيعي الذي قلما يوجد مثله وهي تليق أن تكون عاصمة الدنيا كما يروى عن نابليون الكبير الذي قال لو كانت الكرة الأرضية مملكة واحدة للزم أن تكون عاصمتها القسطنطينية. فلذلك كانت ولم تزل مطمح أنظار الفاتحين.
ولهذا طمع فيها المسلمون منذ أول قيام مملكتهم وتكرر حصارهم لها المرة بعد الأخرى حتى فتحت في المرة التاسعة عشرة.
وفيما يلي ذكر جميع المحاضرات الإسلامية حصرناها في مكان واحد حتى يرى القارئ بوضوح جسامة الجهود المتوالية التي صرفها المسلمون قبل الاستيلاء على هذه الدرة الثمينة:
١ - في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان خرج والي الشام معاوية بن أبي سفيان سنة ٣٢ هـ - لغزو القسطنطينية بجيش من الفرسان فنازلها وحاصرها ثم عاد بعد أن غنم وبعث الرعب في قلوب الروم.