وودت لو أن لدي من الوقت ما يسمح لي بالتفرغ لمطالعة ما تناله يدي من الذخائر الأدبية القيمة التي أثقف بها نفسي وتدوين ما يعن لي من خطرات تجيش بها النفس في تلك اللحظات القصيرة التي تنشط فيها العواطف لتقلى وحي الروح والوجدان.
ويؤسفني أن الوقت يمضي سراعاً غير حافل بهذه الرغبة المتواضعة التي أتمناها عليه فأجدني مضطرة أن اختلس منه الفينة بعد الفينة أجزاء قصيرة لأطفاء شهوة النفس وإشباع نهم الفكر، لذلك أعتذر إلى القراء إن رأوني مقصرة في تحليل أجزاء هذا الموضوع الذي يطالعونه ولم يجدوا في بحثه ذلك العمق الذي يتطلبه المقاوم ويطمحون إليه.
قرأت في كتاب بليغ لأحد أساتيذ المحاضرات في جامعة السوربون فصولاً قيمة عن مجالس الأدب والثقافة في فرنسا وكيف كانت تزدهر بقادة الفكر من نساء ورجال على السواء، فرأيت أن أتحدث إلى قراء مجلة الثقافة عن مجال أدبياتنا العربيات في عصور دول العرب الذهبية، وأضع بين أيديهم غيضاً من فيض تلك المحادثات الشائقة والمساجلات الرائعة والمطارحات البارعة التي كانت فضليات النساء تساهم فيها نوابغ الرجال ولعلي أوفق في الآتي إلى معالجة هذا الموضوع كرة أخرى فأبحثه بحثاً مستفيضاً يدعمه الدرس والتحليل والمقارنة.
لقد ذكر هذا الأديب الأجيال التي ازدهرت فيها أندية الأدب في فرنسا وجال في الكلام على نادي المركيزة دورامبويه الذي أنشأه في فاتحة القرن السابع عشر وكان يختلف إليه أكابر أدباء هذا العصر وعلية القواد، مثل الأمير قونديه وريشيليو وروترو وقورنيه والفيلسوف لاروشفوقولد، وكانت مناظرات هذا المجلس ومباحثاته يتناولها التفكير العميق والاستقراء والدرس، ومن رأي أهل هذا المعشر إن للمرأة فضلاً في ما ينحون نحوه من المثل العليا. وإن المحبة الخالصة ليست بغريزة غاشمة جائرة الطباع ثائرة الجماح، وإنما هي عاطفة سامية تلقي على الأنفس والأرواح أشعة ساطعة فتنيرها كلها، وشأن المرأة في الحب أن تكون حصاناً ذات عفة وحياء وإنصاف، وأن يكون الرجل شهماً مخلصاً فيه، وقد نفحت السيدة رامبويه هذا المجلس بروحها العالية فمد ظلاله الوارفة على الأخلاق والطبائع طيلة