وهو وصف للرحلة التي قام بها الأستاذ الفنان فروخ من باريز إلى طليطلة وقرطبة واشبيلية وغرناطة، بلاد المجد المفقود. وقف المؤلف بإطلال الأندلس يبكي مجد العرب المفقود فأوحت إليه تلك المشاهد الساحرة بعقد من الأفكار والعواطف التي تحول الأشياء المحسوسة إلى أحلام لذيذة. فيخيل إليك وأنت تطالعه أنك في اشبيلية مدينة الطرب أو في قرطبة دار العلم، ثم ينتقل بك الخيال إلى غرناطة كعبة الفن العربي ويطوف بك، في الحمراء، من ساحة الأسود إلى غرفة العدل ومن دار الريحان إلى غرفة السفراء. فتشر في هذا الجو بمأساة التاريخ وتود لو أتاح لك الزمان زيارة تلك الآثار الخالدة لتلمس بيديك أعمدة المرمر وتسكن ما احتدم في قلبك من الحنين إلى الماضي. ولا غرو فالأستاذ فروخ نابغة من نوابغ المصورين في القطر الشامي جمع إلى سحر التصوير الفني قوة الوصف الأدبي فجاءت رحلته هذه مثالاً لوحدة الأدب والتصوير ومزج العاطفة بالإحساس لأنه مايصف لك ما يشعر به في نفسه فينسيك المشاهد الحسية ويمزج لك عواطفه وأحلامه بالأشياء التي يراها فتشعر أنك في جو من العاطفة لا في حقيقة محسوسة من الحفر والرسم والنقش والترصيع. من ذلك قوله في وصف جامع قرطبة. ص - ٧٣هناك في بعض زواياه الحالكة بدت بعض شموع شاحبة كنفس أمضها الداء فهي في حشرجة الموت، هي كنزاع الفن الجميل البائس في قلب هذا المكان، وقد سالت من تلك الشموع بعض فضلات هي أشبه بعبرات الثكلى وانتشر دخان امتزج مع زفرات الشموع وبدت هناك بعض أشباح قاتمة، فتكون من ذلك منظر مرعب كله حزن وكآبة قتل كل ما كان فيه من ألوان وأنوار وجمال
وقوله في وصف ساحة الأسود: ماذا شعرت في تلك البرهة؟ لا أدري إنما جل ماكان دمعة حارة جادت بها عيني على ضريح الفن والجمال ساعة لا ولن أنساها ما حييت، هي كل الحياة، في تلك الدقيقة فهمت الحياة ونعمت بالجمال وحظيت بالفن السامي وشمعت من طي جدران هذا المكان وزواياه شذا الحب والعز والترف والعظمة البالغة. . . . وقوله في