أقامت مجلة الثقافة للمستشرق الأستاذ لويس ماسينيون أثناء مروره بدمشق حفلة علمية ألقى فيها حضرته خطاباً عن اللغة العربية والثقافة جاء فيه أن تحديد معاني الألفاظ ونشر الاصطلاحات العلمية هو خير عمل تستطيع المجلات أن تقوم به لإبداع لغة ثقافية يتفهم بها الكتاب المعاصرون لأن اللغة العربية الحاضرة لا تزال تركيبية، فمن الضروري أن تنقلب إلى لغة تحليلية يكون بها لكل كلمة معنى يستغنى به عن الشرح بعبارة طويلة. فاللغات التركيبية تعبر في الغالب عن المعاني بعبارات طويلة لا يتم الإفهام بها إلا من سياق الكلام، ولكن اللغات التحليلية تعرف الألفاظ تعريفاً واضحاً فنستغني في الدلالة بها عن الجمل الطويلة. واللغة العربية الحاضرة قد أخذت تتصف بهذه الصفة تحت تأثير الكتاب والعلماء المتأخرين وسعيهم لتحديد معاني الألفاظ، إلا أنها لا تزال في دور انتقالي فلم توفق بعد إلى إيجاد جميع الاصطلاحات العلمية الحديثة ولم يتفق التراجمة بعد على الاصطلاحات التي اخترعوها. وكثيراً ما يحتاج القارئ في فهم بعض الكتب المترجمة للرجوع إلى اللغات الأجنبية، فإنك إذا قرأت كتاباً مترجماً عن اللغة الفرنسية أو الانكليزية مثلاً صعب عليك فهمه على حقيقته دون الرجوع إلى لغته الأصلية وخصوصاً إذا كان المترجم غير أخصائي بالفن كالموظفين الذين يترجمون التقارير أو البرامج في الدوائر الرسمية. ولا تخرج اللغة العربية من هذا التشويش إلا إذا وفق المترجمون إلى اصطلاحات علمية واحدة واستطاع القارئ أن يفهم المباحث العلمية من غير أن يرجع إلى الأصل الفرنسي أو الألماني أو الانكليزي. . . . .
وقد ذكر الأستاذ أموراً كثيرة غير هذه خالص زبدتها ما أعدت هنا. ولو استطعنا أن نتذكر كلامه كله لأثبتناه بالحرف لأنه صواب وحق فنقتصر إذن على إكمال البحث ببيان ما خطر لنا في علاقة اللغة بالثقافة.
١ - علاقة اللغة بالثقافة
إن علاقة اللغة بالثقافة قوية جداً. لأن وحدة اللغة إنما تنشأ في الغالب عن وحدة الثقافة. ولا يمكن المحافظة على وحدة اللغة إلا بتوحيد الثقافة بين مختلف الطبقات والمناطق. والسبب