قرأت تقريباً جميع الكتب التي وضعها فالري (وعددها نسبة لما وضعه غيره من الكتاب محدود جداً) فظننت أني فهمت القليل منها وقرأت الدراسات والتحليلات والانتقادات والتفاسير والترجمات (الترجمات باللغة الفرنسية وبغيرها من اللغات) التي وضعت عن تآليف بول فالري فلم أفهم منها شيئاً أبداً والظاهر أن غموض شاعر المقبرة البحرية داء سار وقع فيه كل من عاشره مدة من الزمن والحقيقة أن شخصية فالري الأدبية غريبة في تطورها، شبيهة بالزئبق، يستحيل القبض عليها والوصول إليها وهو القائل عن المسيو تست ذلك الشخص النادر الذي خلقه في نشوة من نشوات شبابه: لا يمكن أن يقال عنه مالا يكون في البرهة نفسها مخالفاً للحقيقة. ولا شك أن أجهل الناس بفالري هو فالري نفسه وقد كثر شراحه في أيامنا هذه واعتقد أن فالري لم يفهم شرح أشعاره أكثر من أشعاره نفسها التي تحتمل كثيراً من المعاني ولا يدري هو أيها الأصح، وأن كان له فلسفة فتمتاز بتحركها وتحولها فهي لا تنفك تتركب بقالب جديد كل يوم والألفاظ برأيه ليس لها قوة ثابتة ولا تحتوي على أفكار جامدة فالألفاظ تقلب حسب النفوس وتأخذ القالب أو الصورة التي يريد الكاتب أو القارئ أن يمنحها إياها وإذا استطاعت الكلمات أن تسجن الفكرة وترفع أمامها كأسوار تمنعها من السير قتلتها وقد وجدنا تصريحات المسيو تست موافقة لنظرية فالري. قال المسيو تست: يعيبون غموض أقوالي ولكنني أن نظرت إلى الكون لا أرى إلا غموضاً. . . يفهم الأمور من يفحصها فحصاً سطحياً. . . أثمن ما في شخصيتي غامض علي ولو تمكنت من إدراك كل ما في نفسي لحرمت من الوجود. . . أشبه الألفاظ التي بواسطتها تجتاز مسافة فكرة بألواح خشبية سريعة الانكسار طرحت فوق هاوية يستطيع الإنسان المرور عليها لا الوقوف فوقها. فالرجل المستعجل يمر عليها ويسلم وأن أراد أن يتأخر تنكسر ويقع في أعماق الهاوية. هكذا من استعجل في فحص الألفاظ يدركها (أو يظن أنه أدركها) ومن أراد أن يطيل البحث فيها يتدهور في أعماق نفسه ويتيه. . .