فقدت فرنسا بموت (الكونتس دي نوايل) اكبر شاعرة من شواعرها. كانت حياة هذه الشاعرة وأعمالها وأفكارها تحوم دائما حول أنشودة الموت. ولقد انتهت هذه الأنشودة اليوم إلى غايتها.
ولدت الكونتس من أب روماني وأم يونانية ونشأت في باريس وتغذت بالثقافة الافرنسية فكانت باقة شعر مجردة عن قيود التعابير واللغات.
أنشدت الشعر وهي لم تبلغ التاسعة من عمرها وقد استقبل أعاظم الأدباء مثل ميسترال وأناتول فرانس الأبيات الأولى التي نشرتها في مجلة باريس بكثير من الإعجاب والدهش ورحب كبار النقدة في شخصها بشاعرة كبيرة يختلج في فؤادها جميع ما يهز النفس الإنسانية من وحي وألم وأنين.
قضيت عمرها منعزلة عن الناس كأن الحياة كانت منفى لها وظلت يهزها الحنين إلى أوطان أبدعها خيالها فكانت رغم ما يحيط بها من نعيم وعز ومال لا تشعر بلذة في هذا الوجود بل تطمح دوما إلى الخلود ولم تكشف لها الأيام إلا عن معنى
الفناء فكان الموت بتمثيل لها في كل ساعة من أفراحها ويرافقها شبحه في أسفارها وهي التي نطقت بهذا البيت الخالد:
اعتبرني قد مت ... لأنني سأموت
تغنت بالموت كما يتغنى غيرها بالربيع أو بالشباب وكان الموت يحوم حولها ليزيدها حبا بالعيش ومقتا له وحقا فان عاطفة الموت أعظم ما خلده الأدب الافرنسي من (فيلون) شاعر القرون الوسطى إلى (باريس) و (بييرلوتي).
كانت الكونتس (دي نوايل) مصورة وموسيقية فشعرها تصوير وموسيقى معا. وتعتقد أن الفنون الجميلة كلها واحدة متلازمة يزداد احدها بالآخر قوة ونموا فكل موسيقى كبير مصور وكل مصور كبير شاعر. وليس الشاعر وهو ينظم إلا كالنقاش الذي يفرغ أحلامه في الرخام لتخلد فتعيش وتقاوم طوارئ الأيام. ولا نعرف بين الشعراء من فهم روح الموسيقين العظام كالكونتس دي نوايل التي