للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحيت ذكرى هؤلاء الموسيقين في اضاميم من ارق الأشعار.

عبثا حاول بعض الأدباء توجيه النقد إلى لغة الكونتس دي نوايل التي يبدو عليها أحيانا شيء من الضعف في التعبير. وحقا كانت تنظم أشعارها كما يرتل البلبل أناشيده، إنها كانت تقول الشعر مندفعة إليه من طبيعتها فلا تهتم بما قيل وما يقال

ولا تحفل بما فرضه المتعصبون من قواعد ركيكة يريدون بها خنق لغة اشتهرت

بسذاجتها وسهولة تعبيرها. إن شعر الكونتس (دي نوايل) يشبه البركان الهائج أو السيل المتدفق يجرف كل ما في طريقه.

أحبت (دي نوايل) الطبيعة حتى امتزجت روحها بالرياض والرياح والأنهار والجبال والصخور فأصبح شعرها أنشودة حية لجمال الكون. سمعت حفيف الأشجار في الغابات فذهبت تعرب عن الأنين الذي يتخلل هذه الأصوات ونظرت إلى الرياحين في الرياض فغدت لا ترى في العالم كله سوى ريحانة بديعة وكانت ترغب في أن تعانق الطبيعة كما تعانق طفلا تقبله وتستنشق عبيره وتتلذذ بلمسه وتتمتع بالتهام محاسنه فان نظراته كلها غرام وقد هتفت يوما: لقد أثرت الغابات والغدران والسهول الخصبة في مقلتي أكثر من لحاظ البشر فلجأت إلى جمال الكون ولست أريج الفصول بيدي

ودت لو تعيش سائحة حول الأرض وقد زارت صقيلة ورومية والبندقية نتغنت بمحاسن تلك البلاد كأنها صديقة لهن فرق بينهن وبكت البلاد التي

لم يساعدها الحظ على زيارتها وأرادت أن تبعث جمالها حيا في الخيال وهكذا أعربت في أبيات خالدة عن حسرتها لأنها لم تشاهد دمشق فحيت مياهها العذبة

المتدفقة وسماؤها الساحرة وجنانها الفتانة وتغزلت بورد اصبهان وجوامع القسطنطينية وقصور بغداد (التي شيدتها أحلامها) ورددت تقول إنها إنما خلقت لتعيش الشرق.

كانت في حياتها شعلة من الحب فنثرت حبات قلبها التي لا تحصى فوق الأحياء والأشياء فهي أسيرة كل كائن تحبه - وما أكثر الكائنات التي تحبها -.

بكت مع الأطفال وجرحى الحرب ومع الخريف والسحاب وتبسمت مع الزهر والنور والشباب فتدفق شعرها كأنه ينبوع عطف يشمل جميع المخلوقات وتمنت

أن تتلاشى في الطبيعة وتتحول إلى شجرة تتقاذفها الأعاصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>