ما برحت مجلة المقتطف على ما كان عليه منذ نشأتها، أرقى مجلات الشرق العربي وأغزرها مادة وعلماً وما زال أصحابها دائبين السعي وراء تحقيق غايتهم الأولى من الدعاية للعلم الصحيح ومعالجته وتحبيبه لأبناء الأقطار العربية فالمنافع الاقتصادية ومشاريع المال التي تسير العالم في هذا العصر وتحكم في أقدار الرجال وتستحوذ على أرواحهم وهم لا يشعرون لتخضع ضمائرهم لأغراضها وتسخر جهودهم في الحياة، لغاياتها كما يقول الأستاذ غابريل بونور، لم تستطع بعد أن تغير وجهة الهدف الذي جعله أصحاب المقتطف نصب أعينهم منذ أسسوا مجلتهم من مصر وإن الثبات على المبدأ الذي حق للمقتطف أن تكون كمثال له في الشرق العربي لدليل جديد على ما يمكن أن يأتيه أبناء العرب من جلائل الأعمال رغم ما آلت إليه سمعتهم وما رماهم به الغرب من سؤ الظن بعد أن انصرفوا عن تبرير أعمالهم وتوفيقها مع مقاييس محدودة مقرره تخفي ما برز من سؤها وشناعتها شأن أخصامهم في بلاد الغرب وأقدموا على العمل كما توحيه إليهم نفوسهم وتلهمهم أرواحهم لا كما يتطلبه العراك في هذا العصر الذي قامت قوة المال فيه على الإرادة والإقدام لا على التسليم والرضى وتوقفت مشاريع المكاسب والمرابح بين أبنائه على ما يبتغيه البشر لا على ما يريده القدر. على أن عمل أصحاب المقتطف الذي ألهمتهم إليه نفوسهم الشرقية والذي لم تشوبه بعد شوائب المادة لم يمنعهم من دعوة أبناء الجماعة التي ينتسبون إليها للأخذ بما يتطلبه النجاح ويقتضيه الصراع والعراك في هذا العصر ولقد أرادوا أن يجعلوا هدية مشتركيهم في هذا العام مجموعة من تلك المباحث التي أصبحت في هذه الأيام أحاديث الناس في الشرق العربي وموضع اهتمامهم بعد أن أيقن الجميع ما للمال من السلطة في أي عمل كان من أعمال السياسة الأوروبية وما يتبعها من مشاريع الاستعمار والاستثمار والفتح، فقدموا لهم صورة نماذج من أشهر رجال المال والأعمال في الغرب مجموعة في كتاب واحد بعد أن درسوا بعضها في أجزاء مختلفة من المجلة فجاءت الهدية فريدة في بابها ثمينة في موضوعها جذابة بأبحاثها لا يكاد يعلق القارئ بأول صفحة