- لي جار فيلسوف لا أحبه ولا اكرهه وإنما يسرني أن التقي به وألهو بمعرفة أخباره، فقد كان من أمره أمس انه وضع قمحاً في كيس ثم أحضر أحد الفقراء وقال له وهبتك هذا القمح فقبل الفقير يديه ودعا له. ثم سأله أن يسمح له بنقل القمح إلى داره فقال، وعيناه تقدان، لا تحمل هذا الكيس إني اشتريه منك بأحسن من ثمنه فبكى الفقير فرحاً وألقى بنفسه على الأرض وهو ذاهب العقل، واله النفس من شدة الفرح فطيب جاري قلبه وسكن روعته ثم أعطاه ثمن القمح وزاد عليه وخرج الفقير يتعثر بأذياله. فقلت لجاري الفيلسوف أفوهبت القمح لتشتريه بأغلى من ثمنه إن هذا لأمر عجاب. قال إن في أحد الأكياس قطعة من ذهب وضعتها فيه زكاة عن نفسي وعن أولادي. وقد استنبطت هذه الطريقة لاسترجاعها أما الفقير فقد كان كما رأيت قانعاً مسروراً بما حصل عليه.
- قلت لصاحبي إن جارك رجل عجيب قال سأجمعك به في داري فلما التقيت به هناك سألته أن يشرح لي رأيه في هذه الطريقة.
- قال إن هذه الحيلة حالة خاصة من نظريتي في هداية القلوب إلى تجنب الذنوب.
قلت: وما هي هذه النظرية؟
قال: هي النظرية التي تحول الكذب إلى حقيقة!. إنك تستطيع بهذه النظرية أن تخفي الحقيقة من غير أن تعترف بالكذب. وهي على أقسام: أولها فلسفة الالتباس وهي أن تستعمل في إخفاء الحقيقة ألفاظاً مبهمة تحتمل معنيين أو ثلاثة، فتسوق محدثك إلى المعنى الظاهر وتقصد من اللفظ غير ما فهمه كقولك أني لم أره في حلب فيحسب سامعك انك تقصد مدينة حلب وأنت في الباطن تقصد معنى آخر له صلة بالحليب.
- قلت وإذا لم يكن في المعنى التباس قال إننا نستعمل عند ذلك نظرية الحر الباطني وهي أن تقسم مثلاً أنك لم تفعل هذا الأمر في حين أنك فاعل له فتقول بصوتٍ عالٍ والله لم افعل ذلك ثم تمم قسمك قائلاً في داخلك: قبل أن أولد أو في هذا النهار أو أمس فيظن السامع انك لم تفعل ذلك أبداً في حين أنك حصرت قسمك في زمن دون آخر، وهذه الطريقة من خير الطرق الأدبية التي يصان بها الشرف وتحفظ الصحة ويكتسب المال.