الحديث ولا تشرحها العبارة ولا يكشف المقال فيها غير الخيال ومن أحب أن يتعرفها فليتدرج إلى أن يصير من أهل المشاهدة دون المشافهة ومن الواصلين إلى
العين دون السامعين إلى الأثر. (إشارات ص - ١٢١) وهناك لا يبقى كما قال الطوسي واصف ولا موصوف ولا سالك ولا مسلوك ولا عارف ولا معروف أو كما قال الغزالي في المنقذ من الضلال، هناك درجات يضيق عنها نطاق العقل ولا
يحاول معبر أن يعبر عنها بل الذي لابسته تلك الحالة لا ينبغي أن يزيد على أن يقول:
وكان ما كان مما لست أذكره ... فظن خيراً ولا تسأل عن الخبر
تلك هي مقامات العارفين الذين يرتقون من نطاق الطبيعة الضيق إلى فضاء العقل
الواسع وكل ما ذكرته حتى الآن من أحوالهم دليل على أن النفس قادرة في مذهب
الشيخ الرئيس أن تنال أوقاتاً من السعادة الحقيقية وهي في البدن. وذلك بتكميل قوتها النظرية بالعلوم وتهذيب قوتها العملية بالفضائل التي أصولها العفة والشجاعة والعدالة ليس بإتباع اللذة الحسية والشهوة العمياء بل بإيثار اللذة العالية المطابقة للحكمة. وهذا ما يرفع النفس ويبلغ بها درجات الكمال حتى لقد يصرفها عن هذا العالم الدنيء ويرتقي بها إلى الملأ الأعلى حيث تستطيع أن ترى الحق وتتصل به وتدرك من السعادة درجة لا يمكن وصفها.