الرحمة. وإذا أمر بالمعروف أمر برفق ناصح لا بعنف معير وذلك لشفقته وحبه.
العارف شجاع وكيف لا وهو بمعزل عن خوف الموت. وجواد وكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل وصفاح للذنوب وكيف لا ونفسه أكبر من أن تجرحها ذلة بشر ونساء للأحقاد وكيف لا وذكره مشغول بالحق.
العارف يفضل التقشف على الترف ولربما ارتاد البهاء في كل شيء وأصغى إلى
الزينة وأحب من كل جنس أكرمه.
العارف هو المنصرف بفكره إلى الأفق الأعلى والمستديم لشروق النور عليه. والزهد عند العارف تنزه والعبادة رياضة لا يطلب منها ثواباً ولا يتجنب بها عقاباً وهو يريد الحق لا بشيء غيره ولا يؤثر شيئاً على عرفانه به وتعبده له للعارف في الوصول إلى الملأ الأعلى درجات وهذه الدرجات تنقسم إلى قسمين درجات السلوك ودرجات الوصول.
فأول درجات السلوك درجة الإرادة وهي ما يعتري المتطلع إلى العالم الروحاني من الرغبة في الاعتصام بالعروة الوثقى والاتجاه نحو الحق ويسمى صاحب هذه المرتبة بالمريد.
ثم تأني درجة الرياضة لان المريد محتاج إليها وهي عبارة عن نهي النفس عن هداها وأمرها بطاعة مولاها (إشارات ١١٥) ومنعها من الالتفات إلى سوى الحق ثم إذا بلغت الإرادة بالمريد حداً أعلى من الأول سنحت له خلسات يطلع بها على نور الحق وهي خلسات لذيذة كأنها بروق تومض إليه ثم تخمد عنه وتسمى هذه الخلسات عند المتصوفين أوقاتاً. وقد يرتقي المريد إلى أكثر من ذلك في الرياضة فيرى الحق في كل شيء.
ثم أنه لتبلغ به الرياضة مبلغاً يصير فيه المخطوف مألوفاً والوميض شهاباً ويتم له
معارفة مستقرة كأنها صحية مستمرة.
ثم يرتقي من مرتبة أدنى إلى مرتبة أعلى حتى يعبر درجة الرياضة ويقترب من الله فيتمثل فيه جمال المبدع وتقضي عليه اللذات الحقيقية.
ثم انه ليغيب عن نفسه فلا يرى إلا المعبود ولا يلحظ إلا جمال الحق وينسى نفسه. وإن لحظ نفسه فمن حيث هي لاحظة لا من حيث هي ذات زينة. وهذه المتصوفة
إلى درجة المحو والفناء.
غير أن ابن سينا لم يصف لنا هذه الدرجات بل قال: إن هذه الدرجات لا يفهمها