للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثر كمالاً وأشد عشقاً واشتياقاً، وكلما ابتعدت عنه قلت سعادتها وخف كمالها.

ثم يتلو مراتب الجواهر العلوية مرتبة العشاق المشتاقين فهم من حيث هم عشاق

قد نالوا قسطاً من الكمال وهم بما حصلوا عليه من الكمال مبتهجون سعيدون. نعم

انه قد يكون لهم أصناف من الأذى من حيث هم مشتاقون، لأن الشوق يولد العذاب إلا أن هذا الأذى الذي يصيبهم لذيذ، وهذا الشوق الذي يحرك نفوسهم عذب.

ثم يتلو هذه النفوس نفوس أخرى بشرية مترددة بين جهتي الربوبيه والسفالة لا هي في المثل الأعلى ولاهي في الحضيض، بل تارة تسمو وتارة تنحط من درجة إلى درجة.

ويتلو هذه المرتبة مرتبة أخرى هي في الحضيض الأسفل من المادة. قال ابن سينا: وهي مرتبة النفوس المغموسة في عالم الطبيعة المنحوسة التي لا مفاصل لرقابها المنكوسة وأصحاب هذه النفوس هم بدون شك أشقى المخلوقات وأكثرهم بؤسا وأسؤهم حالاً.

٤ - مقامات العارفين

ثم إن ابن سينا بعد أن ذكر أنواع ابتهاج الموجودات بكمالاتها المختصة بها عاد إلى ذكر أهل الكمال من النوع الإنساني فقال: إن للعارفين مقامات ودرجات يخصون بها وهم في حياتهم الدنيا دون غيرهم فكأنهم وهم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها وتجردوا عنها إلى عالم القدس ولهم أمور حفية فيهم وأمور ظاهرة عنهم يستنكرها من ينكرها ويستكبرها من يعرفها (إشارات، ص - ١٠١). إن هؤلاء العارفين هم المتصوفون الذين يتوصلون بالرياضة إلى مشاهدات يعجز عن إدراكها الوهم والمتصوفون في رأي ابن سينا هم أهل البهجة والسعادة في هذه الحياة.

وقد ذكر ابن سينا صفات العارف المتخلي عن شواغل البدن بألفاظ ساحرة فقال:

العارف هش بش بسام يبجل الصغير من تواضعه كما يبجل الكبير وينبسط من الخامل كما ينبسط من النبيه. وكيف لا يهش وهو فرحان بالحق وبكل شي يرى فيه الحق ولا فرق عنده بين الكبير والصغير ولا يعرف الطمع سبيلا إلى قلبه وهذا الخلق هو خلق الرضا والقناعة فلا يخاف العارف من هجوم شيء ولا يحزن على فوات شيء بل يفرح ويبتهج بما أدركه كما يبتهج العاشق بالوصول إلى حبيبه.

العارف لا يعنيه التجسس ولا التحسس ولا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما تعتريه

<<  <  ج: ص:  >  >>