من المسائل ذات البال التي تعد في أيامنا هذه في الدرجة الأولى من الخطورة مسألة أوحى إلي بها اسم هذه المجلة الراقية فكتبت مقالي الأول فيها ولم ألم بأطراف البحث إلا قليلاً.
لم يكن مقالي إلا إشارة أولى لتوجيه انتباه الشبيبة العربية المفكرة إلى جملة من المسائل التي تعرض للباحث عند أمعان النظر في أمور الثقافة.
ومن عانى هذه الأمور أدرك أن صور الثقافة تختلف بحسب الأدوار التاريخية الأساسية التي قطعتها البشرية في تطورها وبحسب الظروف التي امتازت بها هذه الأدوار على غيرها، هذا فضلاً عن اختلافها بالنسبة إلى المحيط الطبيعي والاجتماعي أو بالنسبة إلى العبقرية والذوق الفني والمزاج القومي.
إن كل مسألة من هذه المسائل الأساسية تكتشف عن جملة من المسائل العويصة، لم يبحث فيها أحد - فيما أعلم - لا الغاية أو لغرض. ولو عالجها العلماء بصورة علمية لما تأخر حلها إلى أيامنا هذه.
وهي بالرغم من ذلك تتطلب حلاً - ولو مؤقتاً - لأن لها خطورة عملية ومنفعة حيوية واسعة النطاق.
وكلما خطرت هذه المسائل ببال المرء وتصورها بوضوح شعر بضرورة الاهتمام بها اهتماماً شديداً. ولكن المفكرين لم يدركوا خطورة هذه المباحث ولم يشعروا بأهميتها إلا في الآونة الأخيرة.
إن درس الثقافة درساً منظماً يكشف عن كثير من العلائق المشتبكة بغيرها من العوامل المستعصية والحوادث الهامة التي ساعدت على انتشار الحياة الفكرية بين الأفراد والمجتمعات وعلى ذلك فالبحث والتدقيق في هذه الأمور التي لم يعرف موضوعها ولم يحدد نطاقها بعد، يقود الباحث - إذا خضع لمنطق الحوادث - إلى هذا النوع من القضايا. وأني له أن يفهمها إذا لم يتصل بتاريخ الشعب ويألف عبقريته التي أبدعت هذه الثقافة. أقول على الباحث في هذه المسائل أن يعرف فضائل الشعوب وآدابها ومذاهبها الفلسفية