نعت الأخبار العالمة الكبيرة مدام كوري. وليس من قراء الثقافة من يجهل هذا الاسم. فإنه مقترن باكتشافٍ هو بلا شك من أعظم اكتشافات القرن العشرين والسنين الأخيرة من القرن التاسع عشر، أعني به اكتشاف عنصر الراديوم الذي ألقى ضوءاً ساطعاً على نواحي هامة من علم الطبيعة والكيمياء كظاهرة الإشعاع وبناء الجوهر الفرد. هذا فضلاً عن فائدته العملية الإنسانية في معالجة بعض الأمراض المستعصية كالسرطان. ومن يتكلم عن تاريخ هذا العنصر العجيب وظواهر الإشعاع فهو يتكلم حتماً عن تاريخ حياة مدام كوري وزوجها.
وكذلك فإن تاريخ حياة هذين الزوجين يصح أن يكون تاريخ الراديوم.
ولدت مدام كوري، واسمها قبل الزواج ماري سكلودوفسكان في فارسو عاصمة بولونيا في سنة ١٨٦٧. وقد أرغمت وهي تلميذة على ترك بلادها لاشتراكها في جمعية ثوروية للطلاب. فجاءت باريس وانخرطت في سلك طلبة السوربون ثم اقترنت بالعالم الفرنسي الشاب بيير كوري وأخذت تدرس معه ظاهرة الإشعاع التي كان قد اكتشفها حديثاً العالم الفرنسي بيكريل في عنصر الأورانيوم.
ويستخرج هذا المعدن من تراب نادر الوجود اسمه بخ بلند وبينما كان الزوجان يحاولان عزل الاورانيوم عن المواد الغريبة المختلطة به لاحظا لشدة دهشتهما أن هذه المواد أكثر أشعاعاً من الاورانيوم نفسه. فشكا في وجود عنصر آخر ذي خواص إشعاعية قوية. وأخذا في البحث عنه. وبعد أتعاب شاقة طويلة لا يسعنا الآن وصفها توصلا إلى عزل عنصر جديد يفوق بقوة إشعاعه معدن الاورانيوم نفسه وأطلقا عليه اسم الراديوم.
وقد اكتشف الزوجان فيما بعد عدة عناصر أخرى مشعة منها العنصر الذي سمته مدام كوري يولونيوم أكراماً لوطنها الأصلي٠. وقد انكب العلمان منذ هذا الاكتشاف على التعمق في درس ظاهرة الإشعاع والعناصر ذات هذه الخواص وكانت نتيجة أبحاثهما عميقة التأثير في الطبيعة وأحدثت فيها انقلاباً عظيماً. وقد استحقا لذلك جائزتين علميتين قيمتين في سنة واحدة. الأولى جائزة نوبل المشهورة والتي اقتسماها مع بيكريل الأنف الذكر. وفي السنة نفسها نالت مدام كوري لقب الدكتوراه في العلوم وكان موضوع أطروحتها الراديوم. وقد عينت على أثر ذلك مديرة الأبحاث في المخبر الذي أنشأه زوجها خصيصاً لدرس ظواهر