الإشعاع وقد كان بيير كوري قد انتخب عضواً في أكاديمية العلوم وهو لم يتجاوز الخامسة والأربعين. وذلك بفضل اكتشافاته العلمية القيمة التي قام بها بالاشتراك مع زوجته.
لكن لسوء حظ العلم اختطفت المنية الزوج وهو في فجر شهرته وعنفوان رجولته فذهب ضحية حادثة عربة. فأمست الزوجة وحيدة بعده وهي الطريدة الغريبة عن وطنها. لكن ذلك لم يثنها عن عزمها. بل نراها قد ضاعفت الجهود في متابعة الأبحاث التي كانت قائمة مع زوجها بهمة لا تعرف الملل وعزم يعجز عنه أشداء الرجال. وقد قدرت جامعة باريس كفاءة هذه العالمة الفذة ولم تجد أخلق منها خلفاً لزوجها في الكرسي الذي كان يشغله في السوربون. وقد برهنت هذه الأستاذة باكتشافاتها التي قامت بها بعد وفاة زوجها أنها أهل لهذا المركز الرفيع. يدلك على ذلك نيلها في سنة ١٩١١ جائزة نوبل في الكيميا للمرة الثانية. وقد أنشأت في باريس مؤسسة الراديوم المخصصة لبحث ظواهر الإشعاع وأسميت مدام كوري رئيسةً لقسم الأبحاث فيها.
وهذه العالمة الفاضلة على الرغم مما أصابته من الشهرة العالمية لم تنس وطنها الأصلي بولونيا. وكانت لا تترك فرصة دون إظهار تعلقها به وغيرتها عليه. منها سعيها ونجاحها في تأسيس مخبر الإشعاع في فارسو.
وقد أسدت مدام كوري خدمات إنسانية لا تثمن أثناء الحرب الكبرى بإنشائها أقسام للمعالجة بالإشعاع في المستشفيات العسكرية.
ومما هو جدير بالذكر ويدل على عظمة تقدير العالم لهذه الإمرأة الكبيرة اشتراك نساء أميركا بتكريمها وإهدائها غراماً من الراديوم قدمه لها الرئيس هاردنغ حين زيارتها الولايات المتحدة. وهذه الهدية ليست بقليلة الأهمية لأن غرام الراديوم لا يقل ثمنه عن عشرة آلاف ليرا ذهبية.
لا عجب بعد ما رأيناه من عظم الخدمات العلمية التي أسدتها مدام كوري للإنسانية إذا وضعناها في عداد نساء التاريخ الخالدات - وإذا كان خلود أخواتها لنبوغهن بالجمال والدهاء والأدب فهذه الأولى من بنات حواء التي سوف يخلد التاريخ ذكراها لنبوغها في العلم.