اعتدنا نحن الشرقيين أن نسيء الظن بالغربيين وننظر إلى جميع أعمالهم نظر الحذر والارتياب. لا أريد أن ابحث في هذا المقال عما إذا كنا محقين في ارتيابنا المطلق من الغربيين أو إذا كنا مخطئين. فلربما كنا محقين ولربما كنا مخطئين.
إنما أريد أن أتناول ناحية أخرى من البحث وهي: هل ينظر إلينا الغربيون كما نتوهم نحن؟ وهل نحن بهذا التوهم مصيبون؟ فلأجل اصطياد الحقيقة التي نتوخاها لا بد لنا من تقسيم الغربيين الذين يحتكون بنا، حسب ماهيتهم ومآربهم، إلى عدة أقسام.
١ - أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية
هذا القسم من الغربيين مقيد في نظره إلينا بمصالحه، فهو معذور إذا صورنا كما تشاء له مصالحه. على أن ذلك لا يعني أنه يجهل حقيقتنا. فلربما كان أعرف منا بمزايانا ونقائصنا، وأكثر إطلاعاً على مواطن الضعف القوة من نفوسنا ومن أوضاعنا. غير أن مهمته تقضي عليه بنهج الطريق المؤدية إلى تحقيق أمانيه، أكان ذلك بإنكار ملا يسعه أنكران أم كانً بإثبات ما ليس له وجه من الصحة. فانا أستغرب من بعض الشرقيين كيف يطلبون إلى هذه الفئة من الغربيين أن تخالف مبادئها وتسير على عكس الخطة التي خطتها لها سياستها. فإذا كان لنا ما ندعيه فعلينا نحن - لا عليهم - إثبات ذلك وبرهانه. ولا أعتقد أن الحيلة تعوز الفتى أن نجيب أو الشعب المنظم.
٢ - العلماء والمدققون
هذه الفئة من الغربيين أقرب من الأولى إلى معالجة الحقائق الراهنة. غير أن نظرها إلينا يختلف أيضاً باختلاف غايتها. فإذا كانت غايتها سياسية فهي أقدر العناصر الغربية على تسخير العلم لخدمتها. ون عادتها أن تقول كلمتها بصراحة غربية وجرأة تقشعر ها الأبدان. وأما إذا لم تكن غايتها سياسية لكانت خالصة لوجه العلم والحقيقة رمقتنا عندئذٍ بعين الصدق والإنصاف.
فإذا شكت كانت شكايتها صادقة وإذا نقدت كان نقيضها، على مرارته صحيحاً وإذا هفت أو أخطأت فإنها أحسن ما تكون إصغاء إلى النقد والاعتراض وأسرع ما تكون مبادرة إلى