الوصف لغة ذكر الشيء بحيلته ونعته، فالوصف والنعت لدى علماء اللغة مترادفان، وعند علماء الكلام متباينان، وبلغة المجاز يدل الوصف على الكشف والبيان. ومنه حديث عمر، رضي الله تعالى عنه، في الثواب الرقيق تلبسه الغانية وإن لا يشفّ، فأنه يصف إي أن ثوبها يصف برقته جسمها فيظهر منه حجم الأعضاء فشبه ذلك بالصفة كما يصف التاجر سلعته، والزارع غلته، والخاطب مخطوبته، والمفارق محبوبته.
والوصف الأدبي قديماً لا يختلف عن الوصف اللغوي كثيراً، فكان في النثر يجتزأ بذكر الموصوف ببعض حلاه ونعوته، وكان في الشعر يقتصر - كما سنورده على التشبيه غالباً، وإن كان هذا لم يمنع بعض أئمة الأدب من أشباه الجاحظ من الاهتداء أو المقاربة مما ينبغي أن يكون عليه الوصف، وهذا أبو هلال العسكري يقول في الصناعتين: أن أجود الوصف ما يستوعب معاني الموصوف حتى كأنه يصور الموصوف لك فتراه نصب عينيك.
ولكن السواد الأعظم من أدبائنا وشعرائنا لم يهتدوا لأصول الوصف، ومن ترك الأصول، حرم الوصول، ولذلك كان ما يستهوي القلب ويمتع العين من آثارنا القديمة قليلاً لا يروي غليلاً، ولو نضج فن الوصف على عهد استبحار حضارتنا، نضجه في الأدب الغربي اليوم، لعرفنا من تلك الحضارة السامية الفخمة ما لم نعرف ولرأينا من الصور الفتانة والمشاهد ما لم نشاهد، لأن الوصف الصادق من عوامل التبيين، لا من وسائل التزيين. أجل كان الوصف في الشعر والنثر من وسائل التزيين، وكان قوامه التشبيه ولو كان المشبه أوضح من المشبه به حين لا تدعو حاجة إلى محاكاة وتمثيل، ولم ينجم في عصرنا هذا من الوصافين البارعين نظير الأديب الكبير عبد العزيز البشري إلا باطلاعهم على أدب الغرب وآيات النابغين الناهبين فيه، ولو لم يطلع أديبنا البشري على أوصاف لابرويار فيسجاياهلما كتب له التوفيق بإتقان ووصفه البالغ فيمراياه.
ولولا بعض من أجاد الوصف من رجال الصحافة لضاعت على تاريخنا القومي والوطني حقائق جمة، ولخفيت صور مشاهد خطيرة ومع ذلك فنحن مقصرون كل التقصير في