للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصف كثير من مشاهد التاريخ في دمشقنا المحبوبة، ومنبض فؤاد العروبة فمن ذا الذي وصف لنا نثراً خرائب حمام القاضي والميدان، وصفاً صادقاً يثير كوامن الأسى والأشجان، ومن الذي صورنا نحن الدماشقة في مرابع لهونا من الفوطتين، ومجامع أنسنا في النيربين، أو في مقاصف مصائفنا من الفيجة والزبداني ومضايا وبقين وبلودان؟ وأية لوحة وصفية خالدة لنا تصور جامع أمية قديماً، أو قصر أمية أخيراً أو تصور لنا هذه المدرسة العادلية الكبرى التي تضم ضلوعها على الملك العادل على المجمع العلمي وردهة محاضراته، وعلى دار الآثار وروائع طرفها. إن الوصف في لغتنا العربية لا يزال معظمها بعيداً عن التخصيص والتمييز فهو لا يصور لك الموصوف تصويراً يميزه عن سائر أشباهه ونظائره فتراه كما يقول صاحب الصناعتين نصب عينيك، ما بين يديك، فماذا سمعت شاعراً يصف لك دمشق مثلاً، ولم يذكر لك اسمها، تحار في الموصوف فتحسبه يصف لك القاهرة أو بغداد أو طهران، لجواز اتصاف المعزية، أو مدينة السلام أو طهران العجمية، بأوصاف دمشق العربية، كذلك إذا سمعت من ضروب الوصف مديحا أو رثاء أو هجاء ولم يذكر لك الممدوح أو المجروح، لم تعرفه مهما حذقت الكهانة، لأنه لم يوصف بالأوصاف الخاصة، والفوارق المميزة، التي تخرجه من زمرة أشكاله وأمثاله وهلم جراً من الموصوفات في لغتنا التي لا يخصصها ما اختصت به من سمات، ولا يميزها عن أشباهها ما امتازت به من صفات، وإنك لترى الشاعر أو الناثر إذا أكثر من الأوصاف المزوقة لا المحققة جمح به الوصف إلى الغلو والإحالة، مما يذهب ببهجة القول، ويطفأ نور الحق، ويبطل سحر البيان، خذلك مثلاً على ذلك قول الطغرائي يصف محمد بن ملكشاه السلجوقي، وقد عثرت على هذا القول اتفاقاً:

لجلال قدرك تخضع الأقدار ... وبيمن جدك يحكم المقدار

ولك البسيطة حيث مدَّ غطاءه ... ليلٌ وما كشف الغطاء نهار

. . . . . إلى أن يقول:

عم البرية والبسيطة عدله ... فالخلق شخص والبسيطة دار

شكراً فقد أتاك ما لم يؤته ... أحد سواك الواحد القهار

أصحيح ذلك؟ وهل يقول الحق إذ يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>