جاء في كتب الأدب أن سعيد بن عثمان بن عفان قال لطويس المغني أينا أسن أنا أو أنت يا طويس. فقال بابي أنت وأمي، لقد شهدت زفاف أمك المباركة إلى أبيك الطيب، فانظر إلى حذقه وإلى معرفته بمخارج الكلام كيف لم يقل بزفاف أمك الطيبة إلى أبيك المبارك، وهكذا كان وجه الكلام فقلب المعنى (البيان والتبيين).
وفي الحق أن للمعرفة بمخارج الكلام وساعات القول وانتقاء الألفاظ أعظم الأثر في نفوس السامعين لان لا تساق الألفاظ سحرا يضاهي تأثيره تأثير الألحان.
والجمال غاية الألفاظ كما أن الحقيقة غاية المعاني ومثلها الأعلى. فللألفاظ وامتزاجها ولمخارج الحروف وتركيبها جمال لا يقل سحرا عن جمال النغمات الموسيقية والألوان المتسقة، وقد قيل أن من البيان لسحرا.
لقد بحث أدباؤنا في تأثير اللفظ وسحره وحسن دلالته وأسهبوا في ذلك، حتى ملأوا كتب الأدب بالأحبار التي تدل على حسن انتقاء اللفظ وتأثيره في المعنى الوحشي البعيد وتقريبه للأذهان مما لا أجد الآن حاجة إلى ذكره
والناس قد افتتنوا بالألفاظ منذ القديم فلم يقتصروا في بيان تأثيرها على نقل الأفكار من المتكلم إلى السامع بل اعتقدوا أن لها بعض الخواص السحرية. وأي سحر هو أعظم وأمتع من صوت تسمعه فتفهم معناه، وكيف تتألف الألفاظ من الحروف، لا بل كيف تفرق بين الأصوات، وكيف تكون دلالتها. أن في الألفاظ لسحرا. فلا غروا إذا افتتن الإنسان الأول بالألفاظ وعز إليها خاصة سحرية وظن انه يستطيع أن يؤثر بها في حوادث الطبيعة.
كنا ونحن في المدرسة الثانوية نقصد منجمة من منجمات دمشق لاستماع حديثها العذب وألفاظها الساحرة. وكان كل من أصحابي يسألها عن طالعه وحاجات فؤاده، وكانت لا تحفل بهزئنا وضحكنا بل تتمتم وتدمدم وتقرأ لنا سجعا لا تزال نغماته ترن في أذني. ثم تعطي كلا منا تميمة (حجابا) وتطلب منا أن نحلها في الماء ونشرب محلول ألفاظها. لم اتبع يوما من الأيام علاج المنجمة ولكني اعرف كثيرين ممن شربوا محلول الألفاظ واستشفوا بسذاجة الاعتقاد.
فألفاظ تشفي من بعض أمراض النفس ولعلها تشفي أيضا من بعض أمراض الجسد. وربما كان علاج بعض الأمراض بكيمياء الألفاظ لا يقل تأثيرا عن العلاج بالعقاقير، بل ربما كان